عمود رأي

مواقع التواصل سلاح نووي.. وروتيني اليومي سلاح منوي.. !

الإعلام الجديد..الإعلام البديل..إعلام المواطن أو صحافة المجتمع كلها مسميات تفسر أي تكنولوجيا وصلت إليها البشرية..متجاوزة وسائل الإعلام المعتادة التي باتت في نظر الكثيرين تقليدية من جرائد ورقية وإذاعات وقنوات تلفزيونية..
بالأمس فقط كان على الفرد أن ينتظر نشرات الأخبار في مواقيت محددة وبدقائق معدودة أو يترقب اليوم الموالي ليقرأ ما يستأثر باهتمامه من مواضيع وأخبار في صفحات الجرائد..

غير أن العالم الذي أصبح قرية صغيرة بفعل التحولات التكنولوجية المتسارعة أفرز لنا فضاءات جديدة بات بإمكان الفرد فيها أن يقرأ الخبر ويتفاعل معه في حينه بل ويصبح ناقلا للخبر ومدونا في آن..هذه الإمكانية التي رآها الكثيرون فرصة تهدف إلى كسب مزيد من حرية التعبير وترسخ لدمقرطة الحياة العامة في كل ما يتعلق بها..رأى فيها آخرون أنها إن لم تخضع لسلطة رقابة معينة فستكون لها انفلاتات غير محمودة العواقب..

مواقع التواصل الاجتماعي من فايسبوك وإنستغرام ويوتيوب وغيرها باتت تقدم خدمة مجانية لشريحة كبيرة تختلف توجهاتها..صناعة الشهرة وخلق ما يسمى بالبوز ومحاولة كسب مزيد من المتتبعين والاغتناء وتحقيق مكاسب مادية مهمة كلها مرامي وأهداف يسعى إليها ولها روادها آناء الليل وأطراف النهار وبنقرة واحدة قد يتغير الكثير..

منذ العام 2011 ظهر جليا بما لا يترك مجالا للشك قوة هذه المواقع التي شكلت منصة بديلة نقلت من خلالها الشعوب الثائرة صوتها وأسقطت أنظمة عمرت لسنوات طويلة..ظهرت من خلالها هاشتاجات وتناقل روادها فيديوهات وصور لمظاهراتهم واحتجاجاتهم.. فيما استغلت بشكل معاكس لصالح رؤساء دول مثل باراك أوباما الذي استغل منصة تويتر بشكل ذكي من خلال عدد تغريداته التي جعلت عدد متابعيه يرتفع من 30 ألفا إلى مليون إعجاب يوميا..

حملة أوباما لم تكتف باستخدام الشبكات الاجتماعية المعروفة فقط بل أنشأت لنفسها شبكة خاصة بها، أطلق عليه اسم My Barack Obama لتظهر ملامح فوزه بأن يصبح رئيسا لأقوى دولة في العالم على مواقع التواصل الاجتماعي..

وعكس كل التوقعات لا أحد كان ينتظر أن يستغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منصة تفاعلية لإنقاذ بلاده من الوقوع في قبضة انقلاب عسكري جرى في الخامس عشر من يونيو عام 2016..حين أطل أردوغان على شعبه عبر تطبيق الفايس تايم في مكالمة تاريخية جسدت لقوة هذه المواقع في التأثير والتغيير..

مواقع التواصل الاجتماعي لعبت كذلك دور حبل الغسيل الذي نشرت عليه تسريبات همت كبريات الدول والشركات وكبار الشخصيات في العالم كله..

الإعلام الجديد لم يكتفي بكل هذا بل صار منصة للقتل المباشر وبصورة بربرية متوحشة وجريمة نيوزيلندا تعد الأبشع خلال القرن الحديث..تقنية المباشر الميزة التي أضافها مارك زوكربيرغ لبحث تخرجه الذي صار ماردا أزرق يستهوي العقول منحت المرضى والمتطرفين مساحة لعرض كراهيتهم واستعراض وحشيتهم مثلما فعل سفاح زيلدندا الجديدة حين فتح النار في بث مباشر على الركع السجود داخل بيت الله..

وفي مجتمعاتنا العربية كذلك جرائم قتل واغتصاب تم توثيقها على هذه المواقع..فيما رآها البعض مساحته الوحيدة التي قد يجد فيها من يبكي لموته وينال عزاء قبل موته لينهي حياته بعد أن اكتفى بترك رسالة على حائطه كتب في آخرها”نلتقي في البياض”..وليلفظ أنفاسه الأخيرة بعد أن أعلن عبر حسابه عن تناوله لجرعات من مواد سامة لإنهاء حياته..

وإذا كانت هذه المواقع كتابا لسرد الألم والثورة والتمرد عند فئة فعند قوم آخرون هي ذات فائدة ومنفعة لا ينضب حليبها لتعلب دورا آخر ولتصبح الراعي الرسمي لمشاهير ظهروا من العدم لينالوا لقب نجوم الويب عبر تصوير الروتين اليومي بملابس النوم ويربحوا حربا دون خوض رحاها فقط عن طريق عرض فيديوهات ساذجة وتافهة على اليوتيوب مؤكدين عن وجود ظاهرة تحتاج تحليلا سوسيولوجيا دقيقا لفهمها وفهم الإقبال عليها..

منهم من صنع شهرته بكلمات ركيكة وآخرون صاروا وعاظا وفقهاء يفتون العامة في أمور الدين ورقاة غير شرعيين لطرد العين وتزويج العزاب ورتق بكارة العدالة الاجتماعية المفتضة وقراءة ما تيسر على جماهير صار هذا العالم الافتراضي ملاذا لها..
وأمام هذا كله وغيره كثير وخطير..من يحمي هؤلاء المتتبعين والمتفاعلين مع ما ينشر ويكتب من السقوط في الجريمة الالكترونية والتي قد تعرضهم للمساءلة القانونية المفضية للسجن أو الغرامة بحزمة اتهامات منها تهمة الإرهاب أو الإشادة به مثلما حدث مع أحد المراهقين بفاس حين أشاد بجريمة نيوزيلندا قبل أن يعتقل خلال سويعات..

قبل ثلاث سنوات قناة الجزيرة كانت قد نشرت تقريرا لباحثين أكدوا من خلاله أن عدد مستعملي هذه المواقع بلغ ثلاث مليارات حول العلم 400 منهم يعانون الإدمان عليها وهو ما يترتب عنه أمراضا نفسية وجسدية أخطرها الإنتحار خصوصا عند المراهقين..فالدماغ وبحسب ذات التقرير يرغب في تصفح هذه المواقع كل 31 ثانية..

العالم الواقعي صار وهما والإفتراضي صار حقيقة والناس صاروا يقيسون حدة التأثير بعدد الإعجابات الزرقاء التي لم تعد تغري كميزة القلوب الحمراء..وأما صورة الوجه الغاضب فكفيلة بتغيير مزاج ناشر التدوينة الذي قد ينبري للدفاع عن وجهة نظره دون إخضاعها لسلطة الحوار..

ومن خلال هذا كله تتساءل ليا ليفرو في كتابها الإعلام البديل والصحافة الناشطة عما إذا كانت ما أسمتها بالصحافة التشاركية أو الانديميديا ستشكل تغييرا مهما للصحافة التقليدية في الوقت الذي حذر فيه نقاد الإعلام البديل والأشكال الجديدة للصحافة من انخفاض السلطة المؤسسية للسلطة الرابعة وهو ما ستكون له بحسب نفس الكتاب عواقب بعيدة المدى ومدمرة للديموقراطية نفسها..

العالم يواصل سيره نحو الحوسبة البديلة والتعبئة باتت تتم بنقرة فقط على لوح إلكتروني أو هاتف محمول..وجماهير اليوتيوب وجدت فضاءها الرحب بعيدا عن الشاشات الخاضعة لمقص الرقابة..وسكايب نقل محادثات من قلب مدن تعاني من الحرب والقصف..والواتساب يكاد يلغي المكالمات التقليدية بعد أن أتاح فرصة الحديث صوتا وصورة بثمن بخس دراهم معدودة..
وأمام هذا كله نتساءل ثم ماذا بعد..؟

حمزة لخضر

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close