مجتمع

بين العثماني و بنكيران برزخ لا يبغيان..

 

نعم هكذا وببساطة أجهز العثماني على ما بقي من حزب المصباح الذي بدأ يخفت شيئا فشيئا وقريبا سيختفي، وستكون نهايته غير مأسوف عليها بالنظر للصورة القاتمة التي رسمتها سياساته الفرعونية على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وكل ما بناه بنكيران وشيده ذات عنفوان سياسي وحماس زائد “راح في شربة ماء”، على رأي إخواننا المصريين.

سواء اتفقنا أم اختلفنا مع بنكيران فإننا لا نستطيع أن ننكر دوره البارز على ساحة السياسة المغربية تلك التي لها خصوصياتها وشكلت “الاستثناء”، فالرجل منح للمضمار السياسي نكهة خاصة، ولعل أبرز دليل على ذلك هو معدل المشاهدات التي أصبحت تحظى بها جلسات البرلمان في العهد البنكيراني، وعدد المرات التي بحث فيها المغاربة عن قفشات الرجل وردوده الاستفزازية على معارضيه وضحكاته التي كان صداها يتخطى عتبة البرلمان ليرن في الآذان.

لا أقول أن بنكيران خدم المغاربة بقدر ما أرهقتهم سياساته إلى درجة الخذلان، لكنه وعلى الأقل كان صنديدا في الردود ويصعب احتواءه في برنامج حواري ويملك أكثر من جواب لسؤال واحد مهما تعددت صياغته وبلغت حنكة محاوره، كان يجيد لعبة الهروب والفرار بين الكلمات، وحين يشتد الخناق حوله كان يرسل ضحكته التي تعدت شهرتها الآفاق.

منذ أن غادر بنكيران من أضيق الأبواب بات الدوري السياسي المغربي مملا ورتيبا وشبه فارغ تماما، وبات اللاعبون فيه يقدمون أداء باهتا على مستوى الخطاب، ولم يعد هناك ما يجعل المغاربة يهتمون به اللهم تلك القرارات التي تخرج من حين لآخر بسرعة البرق وتطبخ في فرن درجة حرارته عالية جدا، هي من تحرك بركة السياسة الآسنة وتدخل المغاربة من جديد في دوامة الاستنكار والاستهجان عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت حروبا لا حصر لها بين القرارات الحكومية والمنتقدين لها ممن لا يزالون يحملون شيئا من الوعي اتجاه ما حدث ويحدث.

منذ أن حل العثماني الذي لطالما اعتبر رجل توافقات وتوازنات داخل الحزب، حلت معه “اللقوة” وجاءت الارتجالية في أبشع تجلياتها في تدبير الملفات وظهر الرجل ضعيفا لا يلوي على شيء وما فضح الفقيه الطبيب لقاءاته التلفزيونية الباردة والجافة والباهتة والتي لا تحمل أي جديد، وبانهيار الواجهة الأمامية لحزب “اللامبة” ينهار الحزب بأكمله ويفقد أعلى درجات احترامه مثلما فقد سابقا ثقة فئة عريضة من هذا الشعب، وما بقي له إلا المنتمون والمتعاطفون وهؤلاء تفرقوا شيعا لفصائل أسقطت عجرفة الحزب الذي كان يقول أنه فوق الانشقاقات وأن مثل البجيديين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، وانهارت صومعة الفقيه الذي دخل المسجد “ببلغته”، وقضي الأمر بعد أن صار لبنكيران مريدون وللعثماني مؤيدون وللرباح متعاطفون، ومهما حاول هؤلا تغطية الشمس بغربال فإنهم لن يستطيعوا إخفاء التشققات التي لا يمكن إصلاحها ولو بأطنان من أكياس الأسمنت والجبص الأبيض.

وبالرغم من شعبوية بنكيران فإنه كان على قدر عال من تمرير مجموعة من الأفكار التي سواء اتفقنا أم اختلفنا معها تخلق الحدث و” البوز” السياسي وتخلق الجدل وتسيل الكثير من المداد، عكس العثماني الذي لا يمنحك حتى “باش تنقي سنانك”، وكان الله بما يعمل ولا يعمل بصيرا.

الساحة السياسية المغربية تحتاج إلى أشخاص مثل بنكيران، على الأقل من أجل تنشيط البطولة وضخ الأدرينالين و”تحمية الطرح”، وكل هذا لا يعني أن بنكيران هو من أدخل السياسة للبيوت ولا من جعل الناس يهتمون بها ففي سنوات العز السياسي كان هناك رجال أفذاذ أمثال الراحل اليوسفي وعبد الرحيم بوعبيد والكحص، وكانت السياسة آنذاك تتحدد وفق مفاهيم تسمعها الآذان الواعية، واما اليوم فإن إعادة ترميم المشهد السياسي الآني صار يحتاج أمثال بنكيران مع الأسف، حتى يعود الاهتمام كما كان ويعود الشنآن عل الله يخرج من بين أصلاب المهتمين من يخلق خطابا جديدا يضحد أطروحة بنكيران الشعبوية ويرتقي بالمشهد وبالخطاب فترتقي العقول وتشرئب الأعناق وتجعلنا لا نحِن إلى العهد البنكيراني ونحن نعيش آخر سنوات العهد العثماني، من تراه سيكون الفاتح ليحرر ما تبقى من أتباع الرجلين من فكرة أن حزب المصباح هو الفرقة الناجية، وأولياء الله في السياسة وأن عقد التسبيح قد انفرط من بين أيديهم، وأن الله غالب على أمره ولكن أكثر البجيديين لا يعلمون.

 

حمزة لخضر..

 

قد يعجبك ايضا

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق