مجتمع

عاشوراء في زمن الكورونا.. إنها ليست غزة ولا العراق بل هو المغرب ليلة عاشوراء

حمزة لخضر يكتب..

مرة أخرى نجد أنفسنا في اختبار حقيقي أمام أبنائنا وبناتنا، وفي مواجهة شرسة مع فلذات أكبادنا شئنا أم أبينا.
الذي حدث ليلة عاشوراء وحدث من قبل ولا يزال يحدث في كل مناسبة يظن فيها هذا الجيل أنها فرصته للتعبير بطريقته عن شيء في داخله، يُعري مرة أخرى حقيقة التربية والتعليم ببلادنا، وهو إنذار آخر حول بشاعة ما ترسخ في عقول كثير من اليافعين والشباب.
وفي ليلة واحدة فقط تحولت الأزقة والشوارع إلى ساحة حرب مشتعلة بين السلطات الأمنية التي كان هدفها إعادة الأمن والهدوء وضبط الأمور، وبين جيل رأى في عاشوراء فرصة للاشتعال وتحويل ليلة نحمل عنها ذكريات جميلة إلى ليلة للتخريب والفوضى وتهديد حياة الناس ورجال الأمن.

بدا الأمر جميلا حد الرومانسية حين اخترقت الشهب الاصطناعية السماء مانحة الفضاء منظرًا احتفاليا بهيجا، لكن وعلى الأرض لم تكن الأمور كما رآها البعض من نافذة غرفته أو شرفة منزله، فقد تحولت الاحتفالات إلى حرب ضروس أُشعلت فيها الإطارات المطاطية واستخدِمت فيها شتى أنواع المفرقعات، التي خرجت عن السيطرة وبدأ أصحابها يرمون بها رجال الأمن، ولم تقف الأمور عند هذا الحد بل تجاوزته إلى رشق سيارات الشرطة بالحجارة ما أدى إلى تهشيم عدد منها وتسجيل عدد من الإصابات في صفوف رجال الأمن والقوات العمومية خصوصًا بحي يعقوب المنصور بالرباط،ولنا في الفيديوهات التي وثقت الأحداث الخطيرة دليل دامغ حول ما يمكن لجيل غاب فيه دور الأسرة والمدرسة أن يفعله.
بأحياء الدار البيضاء دارت حرب أهلية بين شباب الأحياء، وتبادلوا رشق بعضهم بالحجارة والمفرقعات ذات الصوت المدوي، وبلغت المعركة ذروتها إلى حد استخدام السيوف والأسلحة البيضاء وإضرام النار في الإطارات المطاطية ليتعالى الدخان الأسود الخانق، إلى جانب تحليق شهب حارقة ولتهتز البيضاء على وقع انفجارات عنيفة وبدون مبالغة. وحتى الذين لم يملكوا المال لاقتناء مفرقعات -“البوكيمون” و “الطيارة” و”داعش” و”صواريخ فيزي” التي قصفوا بها رجال الأمن بلا خوف ولا حياء ولا حتى “ضريب الحساب” لهيبة القانون نفسه- هؤلاء قاموا بصناعتها بأنفسهم وأبدعوا الشر بأياديهم معتمدين على تفاعلات كيميائية لا أحد عرف كيف وصلت إلى علمهم، وهو ما يجعلنا ندق جرس إنذار بخطورة هذه السلوكات العنيفة والعدوانية.

دعونا نرجع قليلا إلى الوراء ونتذكر الشعارات التي رفعها التلاميذ المحتجون ذكورا وإناثا في قضية “الساعة المشؤومة” سنفهم بقليل من التفكير أن هؤلاء هُم وهُن نتاج المدرسة العمومية التي فعلوا كل شيء لأجل أن تنحط وتسقط من عليائها إلى الحضيض، فكانت الضربة موجعة والسقطة أشد إيلاما.

ليس من حقنا أن نشمئز وأن نمتعض ونتأفف ونتأسف مما سمعناه وشاهدناه فهذه جريمة في حق هذا الجيل الذي أُريدَ له أن يكون بهذا الشكل وعلى هذا المقاس، وأصحاب “المقص والخياطة” أدرى وأعلم بهذا.
ومن هم في الواجهة كان الله في عونهم خصوصًا أبناؤنا في جهاز الأمن سيكون عليهم أن يتعاملوا مع قنابل موقوتة لا تعرف شيئًا عن الوطن ولم تدرس شيئًا عن الوطنية والأسرة بالنسبة لها “الْحنَانَا والشيباني”.
حتى أسماؤهم على الفايسبوك واختياراتهم الموسيقية وطريقتهم في اللباس والحلاقة تجعلنا نتساءل هل نحن من نسيج مجتمعي واحد أم هناك مجتمع آخر داخل مجتمعنا له طريقته في التربية والتلقين.

ما حدث ليلة عاشوراء بحي يعقوب المنصور بالعاصمة الرباط يخبرنا أن جيلا كهذا أشبه بقنينة غاز تم ملؤها عن آخرها ومجرد شرارة قادرة على جعله ينفجر، جيل كهذا بات يشكل خطرا على نفسه وعلى من حوله، فلا هو سيعرف معنى الوطن ولا معنى الوطنية.
وأمام خطورة الأمر بات ضروريًا أن نتساءل عن ماذا ننتظر من جيل تم الإجهاز فيه على روابط الأسرة التي بدأت تسارع الزمن ونبضات قلبها من أجل كسرة خبز إستحالت “قطران” في زمن المتناقضات هذا..؟
ماذا ننتظر من جيل تخلينا عنه فتركناه وحيدا في مواجهة الرداءة والتلفزة والأنترنت..؟
ماذا ننتظر من جيل باتت المدرسة في عينه سجنا والمعلم سجانا في أحسن الأحوال ومهرجا وجبت السخرية منه في أسوء الظروف..؟
ماذا ننتظر من جيل تراجعت الأسرة وتخلت عن دورها في مراقبته وتتبعه والبحث وراءه..؟
وما هو دور الباحثين في علم الاجتماع والمثقفين ومحللي الظواهر الاجتماعية الذين أصبحوا يختارون ملفات من خمس نجوم على حساب قضايا مجتمعية يرونها بعين الازدراء و”ماكتوكلش الخبز..!”
وقبل كل هذا من سمح بدخول هذه الكمية من المفرقعات ذات الصوت العنيف؟
وكيف تسللت إلى الأسواق تحت جنح ظلام الإهمال؟

ما نعيشه اليوم لا يبشر بخير وما ليلة عاشوراء إلا نقطة أفاضت الكأس فكانت هذه مجرد شرارة من فتيل الجهل المشتعل بهدوء خطير تحت كومة من تبن اللاوعي واللاأخلاق واللاقيم.
لرجال أمننا من أبنائنا نقول لكم شكرا على تفانيكم في خدمة الوطن والمواطنين، ونطالب الدولة أن تضرب بيد من حديد على كل هؤلاء الذين عرضوا حياة الناس والسلطات للخطر وممتلكات المواطنين للتخريب، بالرغم من أنهم قطعة منا إلا أنه قد وجب تهذيب سلوكهم ليفهموا أن القانون هنا والعقاب حق.
ولهذا الجيل نقول نحن فعلا آسفون..آسفون حد التعرق خجلا..آسفون حد البكاء ألما وحزنا.

قد يعجبك ايضا

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق