نحن نغرق رق رق..بق بق بق.. حين عبرت “كوتو كوتو” عن هموم مجتمع بأكمله
حمزة لخضر يكتب..
ربما كان صادقا مغني هذه الكلمات التي قد تبدو تافهة في زمن التفاهة بامتياز، لكن من سمع للأغنية كاملة وشاهد الفيديو المرافق لها ربما قد يفهم شيئا من التخبط الذي نعيشه، وأحرى بمن شاهد الفيديو وسمع للكلمات أن يكون باحثا في علم الاجتماع ليحلل نفسية الكثيرين التي تظهر من خلال الصوت والكلمات والألحان، ويكفي أن أحد المعلقين على الأغنية والصور المرافقة لها وصفها بحلم سيء بعد العصر، حين يتجاوز الأمر القيلولة ويصبح عيلولة. وقد يبدو الأمر غريبا وربما مدعاة للسخرية والاستهزاء أن نخط مقالا عن أغنية حملت عنوان “كوتو كوتو”، وقد يبدو الأمر لمن لم يصادف هذه التحفة الفنية مجرد “تخريبقة تافهة”لا تستحق سطرا واحدا.
هذه الأغنية “التي غناها فنان سمى نفسه “بالشاب”، مزج فيها أمورا كثيرة تعنينا نحن مواليد الثمانينيات والتسعينيات، وجمع فيها بين الماضي والحاضر، في قالب فلسفي ساخر وممتع في الآن ذاته، فنحن ومنذ سنوات طويلة اعتدنا أن نضحك من آلامنا وعلى آلامنا وأن نسخر من كل ما يحدث معنا، حتى نستطيع أن نمضي ونساير إيقاع الحياة الذي أصبح سريعا وأصبحنا نلهث وراءه دون أن نلحقه ودون أن نمنح لأنفسنا وقتا مستقطعا نرتاح فيه حتى، نحن قساة على ومع أنفسنا فكيف قد يكون الحال مع غيرنا.
لقد استطاع هذا “الشاب” المتفرد ان يجمع كل الألوان الموسيقية التي كبرنا معها وعلى نوتاتها في أغنية واحدة فقط، لتصبح أغنية شاملة بالمعنى الجميل للكلمة، ولا عجب حين تستمع إلى موسيقاه تستحضر وعلى رأي معلق على فيديوهاته ناس الغيوان والمشاهب وحميد الزاهير وحتى “هوبا هوبا سبيريت”.
لا يمكن أن نعتبر الشاب الذي يكن عداء للصحافة والصحافيين عدوا لنا جميعا، بل هناك الكثير من الصحافيين من يقدرونه ويحترمون رأيه، فالشاب ناقم فقط على المستوى المتدني لبعض المنابر الإعلامية التي تربعت على عرش “الطوندونس” بنشرها للفضيحة والأخبار التي تكاد تكون روتيني اليومي الإعلامي بكل الأسى والأسف.
أغنية “كوتو كوتو” هي انتقاد صارخ لحجم التناقض والسيكزوفرينية التي يعرفها المجتمع المغربي بين من تاه في الغابة وبين من ضاع في الغباء، وما يزيد من جرعة العجب داخل الكليب هو غرائبيته وألوانه وشخوصه المستوحاة من شرائط الفيديو القديمة والباهتة والبسيطة والرائعة حقا، قبل أن تصل الأغنية إلى ذروتها وثوريتها حين يقول في أحد مقاطعها ما معناه أن من سرق البلد وصفع الأمل سمي بطل، وهذه لوحدها تستحق التأمل الكثير من التأمل.
ولا يمكن الوقوف عند أغنية واحدة فقط، فالشاب ومن خلال أغنية “آفين آسماعين”، وفي قالب حزين شخص هموم الكثير من الشباب الذي يحلم بالعمل وبالاستقرار وبالزواج من حبيبته التي غالبا سيبعده عنها الفقر والهشاشة والتردي والعجز في بلاد الواسطة و”باك صاحبي” وحكومة شبه الكفاءات، فيصبح ملجأ الكثيرين هو لفافة الحشيش التي يسأل الشاب عنها إسماعيل قائلا هل انطفأت جذوتها أم ليس بعد وهل تزوج “فاتي” أم ليس بعد وهل وجد عملا أم ليس بعد، وهل مازال يتسكع في الأزقة تلك الأزقة التي تملؤها النفايات. ثم يصل إلى تلك اللحظة التي يسأله فيها إن كان لا يزال يستقي معلوماته من سيارة الأجرة وهل لازال يعيش الحب في شاشة التلفزيون فقط، وهل سبقت البيضة الدجاجة إلى غيرها من الأسئلة العميقة والغريبة والثائرة والمتمردة على واقع إسماعيل الذي يمثل شبابا كثر.
لقد نجح الشاب الذي احترمنا رغبته في عدم الحديث للصحافة ولم نحاول الاتصال به حتى، لقد نجح في أن يجد له جمهورا واسعا وواعيا، وهذا اكثر ما كان يبحث عنه، بالنظر إلى حجم القضايا المجتمعية التي يطرحها وتمرده على عدد من القيود ورفضه للتفاهة بكل أشكالها، وهو ما يتضح من خلال تعليق أحد متتبعيه الذي علق عليه قائلا “أن الشاب مهووس بالقراءة وبأدب العبث وأنه من خلال أغانيه يسعى إلى إعادة صياغة مفهموم الإدراك عند الإنسان”.
فيما يقول معلق آخر عن احد أغاني الشاب “اعتماد شريط من التراث القديم وبساطة الإنسان التي تخلق نوعا من التساؤل والحنين، مع موسيقى خافتة وحزينة وكلمات متضاربة عنيدة مستفزة للذات والغير وللزمان والمكان، ثائقة للحرية زارعة للشك للبحث عن الانسجام في ظل زمن السرعة والحركة والغليان في لون جامع لكل الألوان ومزيج وخليط لكل الأطياف والأصوات والحناجر، فكأنك تسمع لمجموعة من الفنون والعديد من المغنين في آن واحد”.
حين تزور قناة الشاب على اليوتيوب أنصحك عزيز القارئ بالتجول في التعليقات، ستكتشف أنه يمكنك صياغة مقال جامع مانع منها فقط، دون الحاجة إلى أن تعصر بصلتك السيسائية، وستكتشف قيمة من يتابع الشاب ومن يستمع وينصت حد الذوبان إلى كلماته، وستعرف أن النحل لا يحلو له إلا العبق الحقيقي، ومن يظن أن هذه المقالة هي دعاية للشاب فأقول له هي كذلك وإن لم تكن النية أن تكون كذلك، ولكن الأمانة تفتضي أن ننشر الجمال ونزرعه فلا يضيع جميل أينما زرع، ولمن يتساءل عن اسم الشاب فأقول له أنني شخصيا لا أعرف ولم أسأل وما يهمني حقا هو أفكاره وإنتاجاته وإبداعاته، لأنه وبالنظر لما نعيشه على مستويات خطيرة لابد من أن نقول أننا حقا نغرق رق رق..بق بق بق بق.