مجتمع

همسات خانقة على هامش رحيل الدكتور محمد طلال.. البعض يرحلُ لِيَعيشَ إِلى الأبد..

– حمزة لخضر

قبل أيام كتبت لك تهنئة بعيد ميلادك الجميل وكنت أُمَنِّي النفس أن تعود وأن ترجع وأن تواصل معنا ما بدأته قبل سنوات طويلة..وأن تواصل سرد الحكاية..وألا تكون هذه هي النهاية..وأعرف أنها ليست كذلك حتى لو قررت الرحيل..حتى لو رحلت..حتى لو رحلت ولن تعود..

والآن أجد نفسي أكتب لك ما يشبه رسالة وداع..ولن أُسمِّي سطوري هذه رثاءً فأنت أكبر من الرثاء وأكبر من كل كلمات المواساة التي ظللت رافضا لها ومتشبثا بالقوة والعنفوان وشدة البأس، رغم صعوبة اللحظات التي مررت بها منذ أن بدأت بزراعة الجمال، إلى تلك اللحظة التي واجهت فيها المرض الذي نجح في أن يتسلل إلى جسدك لكنه، فشل فشلا ذريعا في إخماد جذوة الإيمان بداخلك..

لم تكن قادرا على ضم يديك إلى صدرك والارتكان إلى الزاوية..وفضلت الدخول في واحد من أضلاع المثلث الذي يحكم العالم إلى جانب السياسة والاقتصاد..فكان الإعلام طريقك لرسم ملامح التغيير الذي آمنت به دائما فسخرت له أفكارك ووقتك، ووهبته أجمل فترات عمرك وكنت خير سفير للإعلام المغربي في محافل عدة، وسخرت نفسك لزراعة حقول الإعلام بثمار من خيرة الصحافيين والإعلاميين..

لا أصدق أنك رحلت هكذا..ببساطة وبدون أن تحضر حفل تخرجنا نحن الذين آمنا بك..وآمنا بفكرك..وزرعنا أنفسنا ثمارا في حقلك آملين أن تروي عطشنا وتسقينا..

لا أصدق أنك قد رحلت وأننا لن نأخذ معك صورة جماعية بلباس التخرج ونحن نرمي بالقبعات والآمال العريضة عاليا إلى النجوم والقمر وإلى السماوات السبع..

لا أصدق أنك قد غادرت هكذا دون حتى أن تجيبنا عن أسئلتنا التي لا تنتهي، وتُحيل علامات استفهامنا إلى علامات للتعجب والتأمل ورفع الحواجب والاطراق بالرأس في تفكير عميق نحاول عبره جاهدين بلوغ عمق أجوبتك دون أن نبلغها..

لا أصدق ولم أصدق ولن أصدق حتى لو رأيتهم يلفونك في كفنك الأبيض ويطهرون جسدك بماء الورد ويوجهونك نحو القبلة ويحملونك في نعشك..لن أصدقهم وسأرفض تصديق المشهد لأن الذي يعيش طويلا هو الفكرة وأنت مُذْ عرفناك كنت فكرة والفكرة لا تموت..الفكرة خالدة..الفكرة سرمدية وأزلية..صادمة ومتدفقة لا تنتهي ولا تذوب وتنكسر ولا تُعْصَر..عصِيَّةٌ حتى على الموت نفسه..

إننا لا نملك أمام صعوبة اللحظة ومرارة المشهد إلا أن نستسلم بكل خشوع لقدر الله وأكفنا إليه مرفوعة داعين لك بقلوب واجفة وأياد راجفة أن يتغمدك بواسع رحمته وأن يبدلك دارا خيرا من دارك وأهلا خيرا من أهلك وينقلك من ضيق اللحود إلى جنات الخلود..

فصبر جميل أسرة وعائلة وأحباء الدكتور محمد طلال..لله ما أعطى ولله ما أخذ وإنا لله وإنا إليه راجعون..

قد يعجبك ايضا

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق