الصدمة..أو حين يصبح الطبيب جلَّاداً..ولا حول وقوة إلا بالله العظيم
حمزة لخضر
لا حديث اليوم وقبل اليوم وقبل سنوات..سنوات طويلة إلا عن منظومة صحتنا المعطوبة جدا..المعطوبة حد الألم..حد المُتاجرة بأرواحنا..حد اتخاذنا سلعة مريضة تبيض ذهبا كُلَّما تأوَّهت وتألَّمت وسُمِعَ أنينها وهو يمزق نياط القلب..
طوال فترة كورونا عشنا سيناريوهات مؤلمة كانت مستشفيات القطاع الخاص بطلتها وسيدة الأخبار فيها على صفحات الجرائد والبوابات الإلكترونية وألسِنة الناس المُتْعبة داخل الترامواي والحافلات وأمام شركات استخلاص الماء والكهرباء ورغم كل هذا بقينا أحياء.
مستشفيات القطاع الخاص احتلت صدارة الأخبار وحديث الأسر التي وصلتها كورونا لتُسقط أعزاءً كثرًا في الفراش وتدخل آخرين غرف الإنعاش..
وهاهي المأساة التي لم تنتهي بعد تتكرر مرة أخرى وبصورة أبشع من أن يرمي مستشفى خاص مريضا ليس لديه رصيد بنكي..أو يرفض تسليم جثمان متوفى لعائلته التي لا تملك حتى ثمن كفنه وقبره..
لم تهدأ روعتنا بعد حتى استيقظنا مرة أخرى على كابوس جديد..ضرب مهنة الطب في مقتل حين تم اعتقال مجموعة من الأطباء ضمن شبكة تتاجر في تحاليل كورونا.. وسَطِّر عزيزي القارئ على كلمة “تُتَاجر” لتفهم أنك حين تمرض تصبح مجرد سلعة عند أُناسٍ المفروض أنهم ملائكة رحمة ومُهدِّئات وأكثر من قد تأتمنه على حياتك البئيسة..
ومما جاء في الكابوس المرعب “خير وسلام” أن مصالح مديرية مراقبة التراب الوطني وفرت معلومات دقيقة لمصالح الأمن بفاس..حول شبكة تتاجر بالتحاليل المرتبطة بالكشف عن فيروس كورونا اللعين..وربما هؤلاء أَلْعَنُ من كورنا نفسها بمئات المرات فليس هناك أبشع من أن تتاجر بأمراض الناس في زمن “القرينة الكحلة”..
ثلاثة أطباء ببدلتهم الناصعة البياض رفقة طبيبة رقيقة كانوا يشتغلون بجناح كوفيد -19، وحوَّلوا مصلحة استقبال المصابين بالفيروس إلى “حانوت” لبيع التحليلات بمبالغ تراوحت بين 700 و 900 درهم، وذلك عن طريق التلاعب بلوائح المرضى وبأعصابهم والأكثر من ذلك بحقهم في الحياة الذي تكفله كل القوانين والتشريعات الإلهية والوضعية..
الغريب في كل هذا أن هذه التحليلات كانت من نوع VIP فالتشكيل الطبي الموقوف كان يتنقل إلى المرضى في بيوتهم للقيام بالتحليلات، وتسجيلهم في لوائح المستشفى على أنهم يرقدون في الجناح المخصص لمن أصابتهم يد الفيروس التاجي..
إلى جانب كل هذا فهؤلاء الأطباء كانوا يرسلون عينات إلى المختبر بهدف تحليلها، وهي تحمل أسماء وهمية يتم تسجيلها عند كل شروق للشمس بهدف حجز أماكن يتم استغلال أرقامها لإجراء التحاليل لمن هم خارج المستشفى بحسب ما أوردته جريدة الأخبار في عددها الصادر ليوم الثلاثاء 1 دجنبر 2020 تحت رقم 2443.
اتصلنا بمصدر من داخل المستشفى الجامعي الحسن الثاني بفاس والمفروض في هذا المصدر أن يكون على علم بكل كبيرة وصغيرة داخل أروقة هذا المستشفى، ولدى سؤالنا عن الشبكة كان الجواب أن مُسمَّى الشبكة مبالغ فيه، فحين يتعلق الأمر بشخصين أو ثلاثة فهذه ليست شبكة، وربما في نظر مصدرنا أن الصحافة تبالغ وتُضخِّم وتصنع من شعاع الشمس شبكة افتراضية، قبل أن يغلق مصدرنا النقاش الذي لم يبدأ بعد قائلا أن الأمور بيد الأمن والحديث عن الاستقالات التي قدمها رؤساء المصالح والتي أوردتها جريدة الأخبار في ذات العدد كاذبة ولا محل لها من الصدق والدقة انتهت المكالمة.
لقد فات على من يحاول بناءً إما على واجبه “فالبوسط ديالو” أو على “طرف ديال البتيبان” أن يفهم أن الجميع يعرف وضعية المستشفى الجامعي الحسن الثاني، وهي وضعية مقلقة وخطيرة للغاية في ظل إغلاق الوحدات الجراحية التي توجد به، وتأجيل مواعيد إجراء مجموعة من العمليات المستعجلة في تخصصات مختلفة بسبب الاستنفار بشأن كورونا وكأن الأمراض الأخرى لا تقتل، ويكفي ما أسرَّه لنا قبل أشهر مصدر موثوق من داخل المستشفى المذكور أن شخصا فقد البصر نتيجة تعطيل وتأجيل موعد لإجراء عملية مستعجلة على عينه.
“الحاصول للي ما عندو فلوس مرضو مسُّوس”، وهذه حقيقة نتعايش معها ونعرفها ونصبر لها حتى مع وقوع الفضائح، لأننا مواطنون صالحون نمتلك ذاكرة السمك، نتألم ولا نتكلم وننظر إلى أسفل ونقول الحمد لله على كل حال، فمن أين لنا نحن المغاربة كل هذا الصبر بالرغم من أن الصبر “كايْدبَر”.
كان الله في عون من لا يملك رصيدًا بنكيا ولا تغطية صحية ولا ضمانا اجتماعيًا، فحين يمرض من لا يمتلك هذه “الوريقات” كل ما ما عليه هو أن يتَقَبَّل القِبلة ويسأل الله حُسن الخاتمة وكان الله بما يعملون بصيرا ولا حول ولا قوة إلا بالله.