رياضة

سيدي القاضي … لمن نشكو مآسينا ؟

العصبة الاحترافية المنضوية تحت لواء الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، تعلن أن مقابلة الرجاء الرياضي ضد الكوكب المراكشي ستجرى يوم الأحد 25 فبراير، على الساعة الثالثة بعد الزوال، بالملعب الكبير بمراكش … جماهير الرجاء تلقت الخبر، فبدأت تحضر للتنقل إلى المدينة الحمراء التي لطالما كان تنقل “الجراد” إليها تاريخي منذ سنوات خلت، جمهور الرجاء أعد العدة لملاقاة “الخضراء” في المدينة الحمراء، فمنه من باع بعض ممتلكاته، ومن قبل رأس “الحنانة” ومن ضاعف ساعات العمل، ومن استلف حتى نهاية الشهر … كل هذا وأكثر، فقط تكريسا لعبارة “الجيب يعاني، مالگري غادي وهذا هو حال الرجاوي”، وكذلك من أجل ضمان التنقل ولو مشيا على الأقدام، وراء نسر يحلق جوا.
لا خيار أمام أبناء “المگانة” سوى التوجه نحو “اولاد الزيان” أو انتظار القطار القادم من فاس والمتوجه إلى مراكش، دون أن ننسى أن البعض اختار “الطرافيك” والرحلات المنظمة، المهم والأهم “واش يبعدني عليك ؟”، حتى وإن أصدرت ولاية أمن مراكش بلاغا يفيد بمنع التنقلات الجماعية، بهدف نبذ الشغب، والإشارة إلى عقوبات سالبة للحرية في الانتظار.

الأحد 25 فبراير، الساعة تشير إلى حوالي السادسة صباحا … صناديق الطرق السيار تبتسم ترحيبا بكل درهم يضح، وفرحا بمرور وسائل نقل ترفرف بأعلام خضراء … أما في البيضاء فهاتف أحد المنازل بحي لالة مريم يرن “وسط الدار” … وكلنا نعلم تلك اللحظة وذلك الإحساس المسمى “الكبدة” حين يمتزج بسرعة خفقان قلب يقول “ياكما شي خبار ؟ ياكما ياسين رجع وبغاني نلوح الساروت من الفوق ؟ ياكما غيقولوا ليا ولدك راجع فصندوق ؟” … كلها أسئلة منطقية، تعودنا على سماعها في مخيلة كل أم مغربية، أما الحقيقة فتسمعها الأم عندما ترد على الهاتف، “ألو، منزل ياسين هذا، ولدكم دار كسيدة ومات ألالة، البركة فراسكم” …. فقط توقف عن القراءة، تقمص دور هاته الأم، عش الأحاسيس والحنان والمشقة، تنفس جيدا، أعد قراءة الاتصال الهاتفي فقط، أغمض عيناك، تخيل ذلك، استوعب … حسنا لا داعي لذكر ردة فعل الأم والخوض في باقي التفاصيل.
ياسين توفي حرقا رفقة أربعة من أصدقائه الرجاويين، نعم حرقا عند انقلاب السيارة التي كانت تقلهم إلى مراكش، لدرجة أن الأم المسكينة لم تستطع التعرف على إبنها قائلة “بغيت غير نبوسو أش غنبوس الرماد والعظام” … كان هذا مقتطف من معاناة قصة استمرت تفاصيلها، بالرغم من خبر الحادث المميت الذي انتشر كانتشار النار في “السيارة”، وظل الجراد يتوافد على مدينة البهجة، عفوا ! عن أي بهجة أتكلم ؟ عن أي فرح وسرور ؟ فالعائلات تتألم، والجمهور يعاني، حتى وإن مرر الحافيظي لياجور، لن تهتز “عكاشة سود” هذه المرة، احتراما لأرواح أبرياء حصدت ولا تزال.
شغف ممزوج بتراكمات مجتمعية، ما يحتاجونه فقط هو التدوين، وهذا ما نفعله في مكان يعد من بين أكثر الوجهات السياحية بالعالم، والدليل أن السياح هم أكثر نسبة كانت تلتقط صورا للجماهير الرجاوية المتنقلة، طوفان أسود احتجاجا على الحركية بالمغرب، حل بجنبات الملعب الكبير لمراكش … “الله شاهد على ما أقول، أنا وصحابي مقطعين تذاكر، شي بـ30 درهم وشي بـ100، ولكن دخلنا من نفس البلاصة، حيت التورنيكي خاسر، دخل فينما بغيتي وكاين لي بقات عندو التذكرة كاع، ولي كيشد من عندك التذكرة كيعاود فيها البيع…” الشهادة لأحد جماهير الرجاء، الجماهير التي تعرف جيدا أدق تفاصيل ملعب زينته ذات يوم في نهائي كأس العالم، ولن تظل الطريق لمؤازرة أصدقاء الزنيتي، دقائق تفصلنا عن بداية اللقاء، اللاعبون غادروا أرضية الملعب بعد أن أجرو حصة الإحماء، جماهير الفريقين متحمسة للتشجيع و”الباشاج” جزء مهم من العملية، “الكرايزي بويز” بالأحمر في الجهة المقابلة “للإغلز” و “الغرين بويز” … سيدي القاضي تلك مهمتكم كيف ولج “الباش” المدرجات، ومهمتي هي أن أنبهك بأن ” باش الكرايزي بويز” كان أيضا حاضرا لمدة 90 دقيقة دون أدنى مشكل … أما “أبو يانيس” والذي كان جالسا رفقة زوجته وابنه الذي استنشق هواء “الفلام” وشنفت آذانه ب”سيير سيير عيييق” منذ الصغر، فيقول :”قبل بداية اللقاء، جا عندي رجل نبهني باش نغير المكان حيت معايا ولدي وزوجتي، بحجة يقدر ينوض شي صداع، ومابغاش ليا المشاكل”، لم يبالي “أبو يانيس” بالنصيحة، قبل أن يفطن لعمق الجملة، ويغير المكان للمدرجات الوسطى من الملعب.

أعلن الحكم “جيد” عن بداية الشوط الأول، بين كوكب مراكشي يبحث عن إبراز نفسه بين باقي الكواكب، ورجاء بيضاوي يرجو رحيلا في الـ”حسبان”، أما رقعة الميدان، فتحكي عن سيطرة رجاوية منذ البداية، سيطرة لا يمكن أن يكون وراءها إلا جمهور متشبع بالأهازيج ومولوع بـ”البوج”، على هذا المنوال إذن انتهى الشوط الأول من مباراة اعتبرها البعض للنسيان، أما أنا سيدي القاضي، فأتوسل القدر بأن يحولها لـ”كوشمار”.
انتهى الشوط الأول على وقع البياض، ليبدأ شوط أسود في المدرجات، والشهادات تقول إن رجال الشرطة توجهوا مباشرة نحو فصائل الرجاء لمطالبتهم بانتزاع “الباش”، تاركين “الكرايزي بويز” في سلم وسلام، وضاربين عرض الحائط مبادئ “الإلتراس”المتعارف عليها في جل أرجاء العالم، ومن بينها “تقديس الباش” ما يعتبر عاديا، ولم نسمع من قبل أن “منع الباشاج” ساري على باقي الجماهير المغربية، وبعيدا عن كل هذا، فأية خطورة يشكلها التشبث برفع “الباش” على الأمن العام ؟ ومن سمح لهم في الأصل بإدخاله إلى الملعب ؟ ولما لم يمنع منذ الوهلة الأولى التي وضع فيها ؟ وماذا عن “باش الكرايزي بويز” ؟ ولماذا كان التدخل بتلك الطريقة ودون سابق إنذار ؟
وبالعودة إلى الواقعة، وبالرغم من التدخلات لضبط الأمور وشرح ما يمكن شرحه، إلا أن سوء تفاهم إن صح التعبير، كان كافيا لإشعال فتيل “فلامة” وبداية حرب بين جمهور الرجاء ورجال الأمن، تواصلت إلى حدود أن أطلق الحكم “جيد” صافرته لإيقاف اللقاء، تماما كما أوقف لقاء خماسية الرجاء ضد المغرب التطواني في سابقة من نوعها بالمغرب بحجة اللعب الفرجوي، هاهو الآن يوقف اللقاء ليعطي لمخرجه الوقت الكافي لمطالبة “الكاميرامان” بتصويب عدسته نحو جمهور الرجاء وهو يقوم بأعمال الشغب، ويقتلع الكراسي للأسباب السالفة الذكر، أما واصف اللقاء السيد “شيء أكيد”، والذي جلد جمهور الرجاء دون معرفة الأسباب والحيثيات الحقيقية للواقعة، فقد ظل يطلق الكلام على عواهنه، غافلا أخلاقيات العمل الصحفي المهني، تماما كما يغفل أسماء الملاعب واللاعبين … أما الزميل الأخر والذي يصف اللقاء من غرفة تعليق بدولة تبعدنا بحوالي 8 ساعات على متن الطائرة، علم سبحان الله أن جمهور الرجاء افتعل الشغب وخدش صورة الكرة المغربية، أما عن لقطة تظهر رجل القوات المسلحة وهو يضرب مشجعا، فاعتبرها من اعتبر حكيم زياش لاعبا عادي، سيطرة على الموقف.

انتهت المقابلة بفوز النسور بثلاثية نظيفة، ثلاثية لا طعم لها، لا حول ولا قوة، مع قدر إلهي كتب على مشجعين صبيحة ذلك اليوم، تلته أحداث تحتاج حسابا دقيقا، وتفكيرا عميقا، لنقنع أنفسنا أن السيناريو مشوق ومتماسك في حبكته الدرامية … لا وجهة الآن إلا نحو مدينة الدار البيضاء، هنا محطة “باب دكالة” بمراكش، إخلاء تام وتشطيب وتفتيش للحافلات المتوجهة للبيضاء ثم اعتقالات بالجملة في صفوف جمهور الرجاء، على هذا المنوال إذن انتهت الليلة السوداء حسب شهادات “من حضر” … عاد “من حضر” للبيضاء ليستفيق على قرارات فاقت سرعة الضوء، إجراء مباراتين دون جمهور، إصلاح الأضرار التي تسبب فيها “جمهور الرجاء”، غرامة مالية نافذة قدرها 50 ألف درهما، حسنا، متى أصبح الشغب يعاقب بإجراء مباريات دون جمهىور ؟ أما عن غرامة 50 ألف درهم، فجماهير الرجاء كفيلة بإطلاق حملة بيع التذاكر لدعم الفريق ماديا، ووحده الزمان القادر على الإجابة.

مهدي عصفاري

قد يعجبك ايضا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق