عمود رأي

ماشي “كارطونة” إنها شهادة باكالوريا يا بتوع المدارس..!

إنتهت امتحانات الباكالوريا ووضعت حرب التلميذ مع الشهادة التي تحولت في قاموس الكثيرين إلى”كارطونة” أوزارها ولا بأس من الوقوف على بعض التفاصيل التي أعقبت الامتحان القنطرة والفاصل بين مرحلتين في حياة التلميذ.

“القضية مزيرية أخوتشي والنقلة ماكيناش” هكذا رد تلميذ بوجه غاضب ومكفهر عقب نهاية الامتحان، وبلسان يستنكر الحراسة والمراقبة التي منعت الغش صب هذا التلميذ جامَّ غضبه في تصريح شاهده “العادي والبادي”، وكأن الغش قد بات حقا مكتسبا لدى البعض من أبنائنا وبناتنا ومنعه يعتبر خرقا سافرا له، ثم ماذا سنسمي الامتحان إن لم يكن على قدر من الصعوبة واختبار معارف التلميذ؟

وهنا لا أتحدث عن المناهج ولا عن طريقتنا الفريدة في التعامل مع التلميذ ولا عن حال منظومتنا التعليمية ككل، فهناك إجماع على أن المنظومة معطوبة منذ زمن وخطوات إصلاحها بطيئة وانعكاساتها السلبية تجلَّت مع امتحان كورونا، وتبقى صورتها الصادمة الاحتجاجات المطالبة برحيل الفيروس مما يفسر قصور دور المنظومة التعليمية والتربوية في الارتقاء بفكر ووعي المجتمع نقطة إلى السطر.

تلميذ آخر وبلغة المُقامر استنكر بنبرة غاضبة امتحانه في مادة الجغرافيا وهو الذي تهيأ لامتحان التاريخ جيدا قائلا “هادي ست سنين مرة يحطو تاريخ مرة جغرافيا، العام للي فات جغرافيا إذا هاد العام التاريخ”..!!

حديث التلميذ هذا عليه أن يجعلنا جميعا نتوقف لنفهم كيف يتعاطى هذا الجيل مع الامتحانات ككل، جيل يقامر ويضع رهانات حول المواد والدروس التي سيمتحن فيها، فيما تشجع بعض النماذج خصوصا في مدارس “السوايع الإضافية” “النَّقلة” وتُسَمِّيها افتراء وبهتانا دليلا تربويا لمساعدة التلميذ على اجتياز عقبة الباكالوريا.
والمصيبة أن هذا الجيل ولا أُعمِّمُ طبعاً بات يرى في الغش حقه الطبيعي وليس جريمة يعاقب عليها القانون، وهنا ولنكون أكثر إنصافًا لابد من تقاسم المسؤولية حول هذا الأمر بين مؤسستين، مؤسسة الأسرة ومؤسسة التعليم.

فمؤسسة الأسرة هي المعني الأول بتربية وتقويم سلوك هذا التلميذ، وهي المسؤول رقم واحد في هذه المعادلة وفي صلاحها صلاح الأجيال وانهيارها تنهار المُثُل العليا والقيم والأخلاق.

ففي الأسرة نتعلم أن الكذب والغش والسرقة والنميمة من مساوئ الأخلاق، وتجعل منا أشخاصا فاشلين وغير ناجحين، وبالمقابل نتعلم أن النجاح إنما ركيزته الأساس هي العمل والاعتماد على النفس وبذل كثير من الجهد ليكون الجزاء ثمار نقطفها آخر العام.

أشياء وإن بدت بسيطة إلا أنها هي العمود الفقري الذي تبنى عليه المجتمعات، وتُصلح به أحوال الأمم.

المؤسسة الثانية هي المدرسة حيث التربية تأتي قبل التعليم، وحيث الانضباط والصّفُّ وطلب الاستئذان واحترام الآخر وتقبل الاختلاف وترسيخ القيم النبيلة، وتربية النشء على أن الأستاذ المربي هو بمثابة الأم والأب، ومن هنا تبدأ صناعة الأجيال وتربيتها على الجمال واعتناقه والإيمان به حتى تكون فاعلة ومنتجة داخل المجتمع.

علينا الاعتراف أننا اليوم نعاني تراجعا خطيرا على المستويين القيمي والتعليمي، وهذا يرجع إلى أسباب كثيرة تتداخل فيها جهات متعددة وسأعود للتفصيل فيها في مقال قادم بحول الله، وما دمنا نتخبط في وحل المخططات الاستفشالية دون تشخيص حقيقي للداء فإننا سنسمع في السنوات القادمة تصريحات أكثر رعبا وسخافة من هذه، ويكفي أن العلاقة بين التلميذ وأستاذه قد بلغت في السنوات الأخيرة مبلغا خطيرا انتهت بتعنيف الأستاذ من طرف تلميذه أحيانا أو بزجه في السجن قبل التنازل عن الدعوى أحيانا أخرى. وهذا شيء خطير يهدد سلامة الذوق في المجتمع وسلامة الفكر والوعي بالمسؤوليات لهذه الأجيال في المستقبل القريب.

لقد صار لزاما علينا أن نجلس جلسة مكاشفة مع ذواتنا، والقيام بمراجعات حقيقية حول مآل هذه الأجيال في ظل ما تعيشه المنظومة من تخبط وتغيير في المناهج ومقررات كثيرة لمستوى تعليمي واحد ولا أحد يعرف المُبْتغى من ذلك.

ولابد من تدخل حقيقي للنخبة المثقفة ببلادنا مفكرون وباحثون وأساتذة وغيرهم ممن يملكون مفاتيح التغيير على أساس علمي ومعرفي وفكري، همه الوحيد الارتقاء بالفكر والذوق ومنسوب الوعي المجتمعي، حتى نربي جيلا يدرك أنه من سيقود ركْبَ البناء مستقبلا ويتسلم المشعل من الذين مرُّوا قبله، جيلٌ يعلم علم اليقين أنها ماشي “كارطونة” بل شهادة باكالوريا لا ينالها إلا من آمن بالعمل وسهر وأنشد بخشوع البيت الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي :
وما نيل المطالب بالتمني***ولكن تؤخذ الدنيا غلابا.
حمزة لخضر..

قد يعجبك ايضا

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق