فاطمة الزهراء الجلاد
يشهد قطاع النقل في المغرب توترات متصاعدة، وذلك على خلفية توقف الدعم الحكومي عن مهنيي النقل، وهو ما دفع بالنقابات إلى التهديد بالإضراب. في المقابل، تطالب جمعيات حماية المستهلك بوقف هذا الدعم، واعتباره نوعا من الريع الذي لا يعود بالنفع على المواطن.
المبررات والمخاطر
تم تبرير دعم النقل في السابق برغبة الحكومة في حماية القدرة الشرائية للمواطنين، وتخفيف الأعباء عن كاهل المهنيين في ظل ارتفاع أسعار المحروقات. ومع ذلك، فإن هذا الدعم واجه انتقادات واسعة، حيث اعتبره البعض نوعا من الدعم غير الموجه، والذي يستفيد منه أصحاب النفوذ أكثر من الفئات المستهدفة.
من جهة أخرى، يرى المدافعون عن هذا الدعم أنه ضروري للحفاظ على استمرارية النشاط الاقتصادي في القطاع، وتجنب ارتفاع الأسعار بشكل كبير. كما يعتبرون أن توقف الدعم المفاجئ سيؤدي إلى عواقب وخيمة على المواطنين، الذين سيضطرون إلى تحمل أعباء إضافية.
بين مطرقة النقابات وسندان المستهلكين
تدافع النقابات عن حق المهنيين في الحصول على الدعم، معتبرة أن استمراره ضروري في ظل ارتفاع أسعار المحروقات. وتؤكد أن هذا الدعم لا يقتصر على أرباح المهنيين، بل يساهم في الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وتخفيف الأعباء عن كاهلهم.
من جهة أخرى، ترى جمعيات حماية المستهلك أن هذا الدعم لا يحقق الأهداف المنشودة منه، إذ لم يؤد إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة للمواطنين. وتعتبر أن هذا الدعم يشجع على الريع، وأن أموال دافعي الضرائب تصرف دون أن تحقق أي فائدة ملموسة للمواطنين.
موقف النقابات وجمعيات حماية المستهلك
تطالب النقابات بضرورة استئناف صرف الدعم، مع تحسين آليات توزيعه، وضمان وصوله إلى المستحقين. كما تطالب بتسقيف أسعار المحروقات، وهو مطلب قد يواجه صعوبات في التنزيل على أرض الواقع.
في المقابل، تدعو جمعيات حماية المستهلك إلى وقف الدعم، واعتباره نوعا من الريع الذي لا يعود بالنفع على المواطن. كما تطالب بتحسين جودة الخدمات المقدمة في قطاع النقل، وضبط الأسعار بشكل عادل.
أين تكمن الحقيقة؟
إن الحقيقة تكمن في مكان ما بين هذين الرأيين المتناقضين. فمن جهة، لا يمكن إنكار أن دعم النقل قد ساهم في تخفيف الأعباء عن كاهل المهنيين والمواطنين. ومن جهة أخرى، لا يمكن تجاهل الانتقادات الموجهة لهذا الدعم، والتي تشير إلى وجود اختلالات في توزيعه، وعدم تحقيق الأهداف المرجوة منه.
إشكالية الدعم الحكومي: هل هو الحل أم المشكلة؟
يثير هذا النقاش حول دعم النقل العديد من التساؤلات حول جدوى الدعم الحكومي بشكل عام. فهل هو أداة فعالة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، أم أنه يؤدي إلى آثار جانبية سلبية مثل تشجيع الريع وتقويض روح المبادرة؟
من المؤكد أن الدعم الحكومي يمكن أن يكون أداة فعالة لتحقيق أهداف محددة، مثل دعم القطاعات الحيوية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين. ولكن من الضروري أن يتم توجيه هذا الدعم بشكل عقلاني وشفاف، وأن يتم ربطه بمعايير أداء محددة.
إن قضية دعم النقل في المغرب هي قضية معقدة تتطلب حلولاً شاملة ومتكاملة. يجب على الحكومة أن تعمل على إيجاد صيغة توافقية بين مصالح مختلف الأطراف، وذلك من خلال الحوار والتشاور. كما يجب على جميع الأطراف المعنية أن تتحمل مسؤوليتها في إيجاد حلول لهذه الأزمة، وذلك من أجل تحقيق مصلحة الوطن والمواطن.
