الجدية المفقودة في البرلمان: مشادات كلامية وهدر الزمن التشريعي
✍🏻 فاطمة الزهراء الجلاد
في جلسة الأسئلة الشفهية الأخيرة بمجلس النواب، شهدنا مشادة كلامية بين عدد من النواب ورئيس الجلسة، ما يثير التساؤلات حول جدية العمل داخل هذه المؤسسة الدستورية. هذا المشهد يعكس واقعًا مقلقًا في الساحة السياسية، حيث تضيع الجهود على نزاعات كلامية بدلاً من التركيز على القضايا التي تهم المواطنين وتخدم مصلحتهم.
إن هذا الوضع ليس مجرد حادثة عرضية، بل هو مؤشر على أزمة أعمق في ممارسة العمل السياسي داخل البرلمان. الباحثون يؤكدون أن هذه المشادات الكلامية تسهم بشكل كبير في “ضياع الزمن التشريعي”، وهو زمن ثمين يجب استغلاله لمناقشة مشاريع القوانين المهمة التي تمس حياة المواطنين.
رشيد لزرق، المحلل السياسي ورئيس مركز شمال إفريقيا للدراسات والأبحاث، يرى أن البلاد تمر بمرحلة دقيقة تتطلب جدية في العمل السياسي. الملك محمد السادس دعا إلى التحلي بالجدية في جميع المجالات، لكن الواقع يظهر أن التكتيكات السياسية العقيمة لا تزال تهيمن، ما يؤدي إلى هدر الزمن التشريعي المطلوب لمناقشة القضايا الجوهرية وصياغة التشريعات الفعالة. يضيف لزرق أن النخب البرلمانية الحالية لا تزال مشغولة بالنقاشات العقيمة التي تضر بمصالح المواطنين وتُستغل لتحقيق مزايدات سياسية تخدم مصالح ذاتية، مما يعيق فعالية البرلمان ويضعف ثقة المواطنين في ممثليهم.
كما يشير إلى أن تراكم الملفات وهدر الزمن التشريعي يؤدي إلى إصدار قوانين تفتقر إلى الدراسات اللازمة وتعاني من نقص في الجودة، مما يكشف عن محدودية مؤسسة البرلمان ويضعف ثقة المواطنين فيها. الحل، بحسب لزرق، يكمن في وجود نخبة سياسية وطنية تهتم بمستقبل الأجيال القادمة وتضع المصالح العليا للبلاد فوق كل الاعتبارات الانتخابوية.
قد يتخذ التدافع السياسي أحيانا شكل جدال حاد ومشادات، وهو أمر مألوف في التجارب الديمقراطية، بشرط أن يكون هدفه تحقيق المصلحة العامة والدفاع عن الناخبين. لكن العمل البرلماني قد ينزاح عن هذا الهدف النبيل نحو تبخيس البرلمان في إطار شعبوية متزايدة، مما يظهر البرلمان بعيدًا عن وظائفه الدستورية وهموم المواطنين.
إن المرحلة الراهنة والتحولات الدولية، خصوصًا ما يتعلق بوحدتنا الترابية، تتطلب انخراطًا جادًا من البرلمان لتعزيز الجبهة الداخلية. ثم إن تجنب هدر الزمن التشريعي وقيام البرلمان بدوره الفاعل، يرتبط بجودة النخب التي تشكل محور العمل البرلماني. يجب على هذه النخب أن تضع الوحدة الوطنية ومصالح المواطنين فوق كل اعتبار، وأن تتحلى بالمسؤولية والوعي الكاملين تجاه التحديات الراهنة.