مجتمع

دور الشباب بالدار البيضاء…الغائب الكبير

في الأصل هذا هو التعريف لدور الشباب لكن الحقيقة شيء آخر: &تعتبر دار الشباب مؤسسة عمومية تربوية ثقافية واجتماعية وفضاءا خصبا لممارسة أنشطة مختلفة ومتنوعة : كالمسرح، الموسيقى، الرقص، السينما، الفنون. إلى جانب كونها فضاءا للتكوين و التعلم، بحيث توفر للشباب خدمات من شأنها المساهمة في تحسين تحصيلهم المعرفي و المهني، من خلال دروس في المعلوميات و اللغات الأجنبية فضلا عن دروس في الدعم في مختلف المواد الدراسية.

 

والحقيقة أن دار الشباب لم تعد تحمل سوى الاسم و لا تستوفي الشروط اللازمة، خاصة احتياجات الشباب فيما يخص الفرق الموسيقية والفرق المسرحية، لأنهم في حاجة إلى قاعة كبرى للعروض.

في الدار البيضاء مثلا توجد أكثر من 40 دار شباب و على النقيض من اسمها نجد الفئة التي بداخل هذه الدور تتجاوز المعايير الدولية التي حددت سن الشباب مابين 18 و 35 سنة مما يطرح إشكالا في سهولة التوجيه و التاطير نظرا للعامل السني.

 

 

&البكاء على الأطلال&

دور الشباب بالبيضاء منها من لم يبق له اثر على غرار دار الشباب الوحيدة بمنطقة عين السبع التي  أغلقت أبوابها  قرابة سنتين  و مصادر تقول أنها تحولت إلى روض للأطفال تعود ملكيته لأحد نواب مقاطعة عين السبع. و كان هذا الفضاء المتنفس الوحيد لشباب المنطقة التي عانت و لا تزال تعاني من الخصاص المهول في هذا الشق مما جعل معدلات السرقة و تكوين العصابات و تعاطي المخدرات تعرف انتشارا كبيرا في أوساط شباب المنطقة و الوضع يزداد سوءا في ظل غياب المؤسسة الحاضنة التي تلعب دور المرشد لهذه الفئة من المجتمع.

يتحدث احد الفاعلين الجمعويين سابقا بالمنطقة بحسرة عن غياب دور الشباب بعين السبع رابطا ماضي دار الشباب الوحيدة بالمنطقة و دورها في صقل مواهب الطفولة و الشباب و انعكاس ذلك على مسار حياتهم بالإيجاب. متحسرا على حاضر يرى فيه انتشار الانحراف و تعاطي الممنوعات بين الشباب الذي ما هو إلا ضحية لغياب البيئة المثالية التي بإمكانها ان تضع بين يديه فضاءات يسطع خلالها نجمه في واحد منها.

و غير بعيد عن السبع بمنطقة البر نوصي التي ساهمت فيها دور الشباب بالأمس القريب بشكل كبير في تأطير مواهب شابة  لكن واقعها اليوم لا يختلف عن باقي دور الشباب التي أصبحت تعرف عزوف الشباب على ارتيادها. و يعود سبب هذا العزوف حسب مدير سابق لأحد دور الشباب بالبر نوصي  إلى& تحول وانتقال دور هذه الدُور من الأطر التابعة لوزارة الشبيبة والرياضة إلى بعض الجمعيات التي تستفيد من منح مقدمة من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي فتحت الباب أمام  هذه الجمعيات و ما صاحب ذلك من ظهور مجموعة من الدخلاء بميدان العمل الجمعوي وساهموا في تراجعه لأن همهم الأول و الأخير هو الربح المادي.

 وتساءل في نفس السياق& كيف لمؤطر أو فاعل جمعوي يقوم بعمله التطوعي دون مقابل بينما يشاهد أمامه شخص آخر لا يظهر كثيرا و لا يقوم بأي بادرة داخل دار الشباب لكنه يأخذ منح مالية مهمة ساهمت في غنى الكثيرين الذين كانوا بالأمس لا يملكون أي عمل لكنهم بالمنح التي تقدمها لهم المبادرة أسس عدد كبير منهم شركته الخاصة.مضيفا إن الأحزاب السياسية لها دخل و يد في الموضوع من خلال حث المنتمين إليها على تكوين و الانخراط في الجمعيات ومن تم الدفاع عنهم بمجالس المقاطعات و العمالات..  من أجل أن تقدم لهم الدعم و المنح المالية.

مما ساهم في ظهور مؤطرين غير أكفاء بالرغم من تكوينهم من لدن الوزارة الوصية لكن تبق الفئة المؤطرة في السابق أفضل بكثير لأنها كونت نفسها بنفسها داخل دور الشباب بفضل الندوات و المحاضرات و الأنشطة التي كانت تشدها دور الشباب في السابق  بالإضافة إلى نبرة الغيرة و حب تقديم يد العون للشباب حتى يتمكن من سلك مسار ايجابي ينعكس على كل جوانب حياته.

و يتحدث المدير السابق الذي فضل عدم ذكر اسمه عن الاختلاف بين دور الشباب بالأمس و اليوم فبالأمس كانت الأنشطة التي يقوم بها المؤطرون تكتسي طابعا تطوعيا حتى يتسنى للجميع الاستفادة منها على عكس اليوم فأدنى نشاط تود دار الشباب القيام به إلا و يتحدث الأشخاص المسؤولين و المتداخلين فيها عن المقابل المادي.حيث  أصبحت المخيمات الصيفية مثلا بمبلغ كبير لا يتماشى و المدخول المادي للعائلات التي ترغب في استفادة أبنائها من هذه الأنشطة.

و دائما في مقارنته لهذا الجهاز بين الماضي و الحاضر يؤكد المدير السابق على أن دور الشباب بالأمس كانت تعرف اكتظاظا كبيرا بالرغم من افتقارها للتجهيزات الآليات لكن الأنشطة و المبادرات التي كان يقوم بها  المؤطرين غطت على النقص الذي كانت تعرفه بينما اليوم نجد أن دور الشباب اليوم تتوفر على أدوات و آليات مواكبة للعصر لكنها تشهد فراغا و عزوفا من لدن الشباب و ذلك راجع إلى المؤطر الذي لا يتمتع بالكفاءة و العمل الجاديين.

و يأمل الساهر سابقا على تسيير دار الشباب من الجهات الوصية التدخل لوقف السيبة و الطرق غير الشرعية التي يشهدها هذا القطاع و ربط المسؤولية بالمحاسبة  و القيام بغربلة للجمعيات لتبق منها فقط من تقوم بأدوارها على أكمل وجه و مراقبة المنح التي تعطى لها عن طريق متابعة النشاط موضوع المنحة.

 

 

التكنولوجيا تقتل الإبداع

 

بالعودة إلى عزوف الشباب عن الإقبال على دور الشباب أعاد رضوان ذو ال18 ربيعا و القاطن بمنطقة الحي المحمدي المعروفة بأنشطة دور شبابها و ما قدمته من  مفكريين و رياضيين و فنانيين…هذا العزوف إلى عدة أسباب ينخرط فيها كل الفاعلين في هذا المجال بدءا من المسؤولين الذين انيطت بهم مسؤولية السهر على دور الشباب حيث يفتقدون للمعايير و الشروط التي بإمكانهم توظيفها في مخاطبة الشباب و حثه على الانخراط في الأنشطة التي تقوم بها هذه الدور.

و يؤكد رضوان على أن هناك فئة من الشباب تريد الانخراط بجدية في الأعمال و المبادرات التي تقوم بها هذه الدور لكن تكمن المشكلة في عدم معرفتها بشكل واضح و مفهوم الجهة التي يمكن التوجه لها و هي على يقين بأنها ستنصت إليها و تقدم لها كامل المعطيات و المعلومات بشكل دقيق.

و لا ينفي رضوان أن من الأسباب الرئيسة لعزوف الشباب عن دور الشباب يكمن في التطور التكنولوجي و ما صاحبه من ظهور هواتف ذكية سلبت للشباب  وقته و حريته و غيرت مسار تفكيره و أسلوب حياته و ر بت فيه الكسل حيث لا يكلف نفسه عناء البحث عن المعلومة ما دام متوفرة عبر الانترنيت بمختلف وسائله و في وقت و جيز.

 

 لقد اختفى الدور الحقيقي الذي من أجله وجدت دور الشباب، وانعكس ذلك سلبا على عدة قطاعات فنية رياضية و ثقافية، وغابت المحاضرات و الندوات التي سهر على القيام بها سياسيون و فاعلون ومربون في  سبيل تأطيرالشباب  و وضعه في صورة جملة من المواضيع لها ارتباط بواقعه المعاش اجتماعيا رياضيا و سياسيا.

كان من البديهي إذن أن يكون عزوف من الشباب للانخراط في هذه الدور التي أضحت في تراجع عما كانت عليه في السابق على المستوى التربوي و التاطيري و مواكبة العصر و ما يقتضيه من تغيير نمط و أسلوب الحوار و التواصل مع الشباب الذي أصبح يفتقر لدور الموجه و المرشد خارج فصول الدراسة مما ساهم في انحرافه و تعاطيه للممنوعات و ارتفاع معدلات الجريمة بشكل مهول في أوساط هذه الشريحة التي تعد العصب الرئيس في مجتمع الغد.

 ولا يمكن أن نفصل ارتفاع معدلات الجريمة بشتى أنواعها في صفوف هذه الفئة و نضعها موضع معزل عن أفول نجم دور الشباب و تراجع نشاطاتها و أدوارها التاطيرية و التوعوية  فبإلقاء نظرة على الإحصائيات المتعلقة بمعدل الجريمة في السنوات الأخيرة نجد انه يرتبط ارتباط شديد بدور الشباب.

ففي الوقت الذي كانت فيه دار الشباب تلعب دور العائلة الثانية و الحاضن للطفولة و الشباب و تقوم بالتقرب منهم و ووضع برامج هادفة و توعوية للتحسيس بمخاطر التعاطي للمخدرات و الممنوعات بكل أنواعها كانت هذه المبادرات تعطي أكلها و تنتج لنا شباب واع شباب يفكر بطريقة ايجابية و مسؤولة  حيث لم يكن هنالك وقت للفراغ بالنسة للشاب لان الفراغ يقتل و يجعلك تفكر في الأمور السلبية فكان يجد في دار الشباب متنفس يبزغ خلاله مواهبه الخفية.

على عكس اليوم فالشباب يعاني من الإقصاء و البطالة و الهدر المدرسي و الولوج للخدمات الاجتماعية و لا يشعر انه في قلب اهتمامات الجهات المسؤولة و يكتفي بلعب دور المتفرج أو المنتظر لذلك يتوجب وضع قطيعة مع هذه الوضعية و العمل على إشراك الشباب الفعال في قضايا المجتمع المدني و يكون عنصرا في اتخاذ القرار.

و كذلك لا يمكننا أن نفصل تراجع دور الشباب عن المنظومة التعليمية التربوية حيث فشلت المدرسة في التربية على القيم و الأخلاق و تحول جزء كبير منها إلى مشاتل لنشر الانحرافات السلوكية و بالتالي فإصلاح دور الشباب يقتضي إصلاح منظومة التعليم و إعادة النظر في هيكلتها حتى يتسنى لها أن تنتج لنا تعليم نموذجي و مثالي الذي سيقدم بدوره شباب هادف لا محال بإمكانه أن يلعب دور المؤطر و الموجه في المستقبل.

ص.م: يوسف العيرجي

قد يعجبك ايضا

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق