
يشهد المغرب تحولات جذرية في قطاع الطاقة بهدف تحقيق الاستقلال الطاقي وتعزيز استدامة المصادر البيئية. تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس، يسعى المغرب لتحويل التحديات البيئية إلى فرص اقتصادية واجتماعية، معتمداً على رؤية ملكية طموحة تهدف إلى تعزيز الطاقة النظيفة والمتجددة.
مشاريع الطاقة المتجددة
بدأ المغرب مشواره في مجال الطاقات المتجددة منذ سنوات، حيث أطلق مشاريع طموحة مثل مجمع “نور” في ورزازات، الذي يُعد من أكبر المشاريع الشمسية في العالم. هذا المجمع يستخدم تكنولوجيا متقدمة تعتمد على مرايا خاصة لتركيز ضوء الشمس وتحويله إلى طاقة حرارية لتوليد الكهرباء. بالإضافة إلى الطاقة الشمسية، ويعتمد المغرب على الطاقة الريحية والمائية لتعزيز مزيجه الطاقي.
في هذا الصدد قال الخبير الاقتصادي محمد جدري في حديثه لموقع Le 7TV، إن” المملكة المغربية اليوم تتوفر على رؤية اقتصادية واضحة المعالم “رؤية 2035″ التي نبتغي من خلالها مضاعفة الناتج الداخلي الخام من 130 مليار دولار سنة 2021 إلى 260 مليون دولار سنة 2035.”
وأضاف الخبير أن “للوصول الى ذلك لابد من تحديد مجموعة من الإصلاحات المهمة وكذلك التحكم في الطاقة لأن المغرب يستورد جل حاجياته الطاقية من الخارج، وبالتالي لا يمكن الوقوف على نفس المستوى لأنه عندما ترتفع أسعار الطاقة على المستوى العالمي فهي تؤثر على الأسر، وتؤثر على وسائل النقل، وكذلك تؤثر على وسائل الإنتاج وتكلفة الإنتاج، وتؤثر أيضا على الشحن واللوجستيك بالإضافة إلى تأثيرها على جميع المنظومات الصناعية والتجارية والفلاحية والخدمات.”
وأوضح محمد جدري قائلا: “لعل أبرز ذلك أن في سنة 2023 الفاتورة الطاقية للملكة المغربية تجاوزت 15 مليار دولار تقريبا اكثر من 153 مليار درهم، وهو حجم لا يمكن قبوله نهائيا من طرف اقتصاد صاعد كالاقتصاد الوطني للمغرب، وبالتالي اليوم أصبح المغرب متجها نحو الطاقات المتجددة لمجموعة من الاعتبارات : أولا ان المغرب اليوم لديه من الامكانية الطاقة الشمسية والطاقة الريحية ما يعادل انتاج 1.64 مليون برميل من النفط يوميا من الطاقة الشمسية والريحية، ولأن المغرب اليوم يتوفر على خيرات مهمة من الطاقة الشمسية التي تتجاوز 300 يوم في السنة وسرعة الرياح في شمال المملكة وجانوبها اكثر من 80 كيلومتر، أي ما يفوق المعدل العالمي، وبالتالي المغرب اليوم يمكنه أن يعوض كل ما فاته بعد توفره على النفط والغاز وتوفره أيضا على الطاقة الشمسية والطاقة الريحية.”
الهيدروجين الأخضر: البديل المستقبلي
أحد أبرز التوجهات الحديثة في السياسة الطاقية المغربية هو الاستثمار في الهيدروجين الأخضر. يُعتبر الهيدروجين الأخضر تقنية واعدة يمكن أن تسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتحقيق الأهداف البيئية الطموحة. يطمح المغرب من خلال هذا التوجه إلى تعزيز موقعه على الخريطة الدولية كمصدر رئيسي للطاقة النظيفة، خاصة مع الطلب المتزايد من السوق الأوروبية.
وتابع الخبير الاقتصادي حديثه، ان “العالم اليوم يبحث عن بديل للطاقة الأحفورية، لأنه في كل ما يتعلق بالطاقات النظيفة، وبالتالي اليوم مجموعة من الأجانب المستثمرين يمكنهم ان يقوموا بالاستثمار في المملكة المغربية، لأنها ارض جذابة للاستثمار، ونحن لدينا العديد من المستثمرين منهم الصنين والألمان والإسبان والفرنسيين والاستراليين كذلك، الذين لهم اهتمام كبير بالطاقات الشمسية والريحية، وكذلك بالهيدروجين الأخضر، وبالتالي فإن هذه الاستثمارات يمكنها ان تخلق الثروة وان تخلق القيمة المضافة وتخلق أيضا الكثير من مناصب الشغل للمكلة المغربية وتحقيق رؤيتها رؤية 2035.”
دعم الابتكار والشراكات الدولية
يدرك المغرب أن تحقيق أهدافه الطاقية الطموحة يتطلب تعزيز البحث العلمي والابتكار، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتُشدد الرؤية الملكية على أهمية توفير بيئة تشريعية داعمة وجاذبة للاستثمارات، مما يسهم في تحقيق السيادة الطاقية وتقليل الفاتورة الطاقية للبلاد.
وفي هذا السياق أكد محمد جدري، ان “اليوم المغرب ملزم بالاتفاقيات الدولية مع مجموعة من الدول كالاتحاد الاوروبي وامريكا والدول المجاورة كبريطانيا وغيرها، والتي ستدخل فيها البصمة الكربونية، بحيث أن أي منتج واي سلعة ستقوم بصناعتها عن طريق الطاقة الأحفورية ستؤدى عنها، وبالتالي فإن كل ما يتعلق بصناعة السيارة اليوم لا يمكن ان هذا المجهود الكبير الذي قام به المغرب خلال 20 سنة ان يذهب سدى، وبالتالي يجب تحويله نحو السيارات الكهربائية وعندما نتحدث عن السيارات الكهربائية نتحدث عن الطاقة الشمسية والطاقة الريحية، والكهربائية ثم الهيدروجين الأخضر، وهذه كلها أمور أساسية حتى عندما نتحدث عن المواد الفلاحية فلابد ان تكون خالية من الكربون، وان تنتج بطاقة نظيفة، وأيضا عندما نتحدث عن الفوسفاط هو الاخر مشروع استثماري ضخم وبالتالي اليوم حتى التزامات المملكة المغربية تجعلها تتجه نحو كل ما يتعلق بالطاقات المتجددة.”
وأضاف الخبير، أن “المغرب اليوم يتجه نحو الطاقات المتجددة للخروج من الفاتورة الطاقية، وجذب مجموعة من المستثمرين، ويتجه أيضا نحو ان تكون صادراته لها تنافسية على المستوى العالمي.”
وتابع الخبير الاقتصادي، إن ” المغرب بإمكانه اليوم تحقيق هذه الأمور، خاصة ان المغرب له خارطة طريق لسنة 2050 مع عدد اول لسنة 2030 ستصل 52 في المائة من المزيج الكهربائي للطاقة الشمسية والريحية 2030، ثم من المرجح الوصول الى 70 في المائة سنة 2050.”
يمكن القول إن المغرب يمضي بخطى ثابتة نحو مستقبل طاقي مستدام، بفضل الرؤية الملكية الحكيمة التي تضع الأمن الطاقي والتنمية المستدامة في مقدمة الأولويات الوطنية.
ومن خلال هذه المشاريع، يسعى المغرب ليس فقط لتلبية احتياجاته الداخلية من الطاقة بل ليصبح مركزاً إقليمياً للطاقة النظيفة، مما يجعله نموذجاً يُحتذى به في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فاطمة الزهراء الجلاد.