في الآونة الأخيرة، شهد العالم تزايداً ملحوظاً في حالات الإصابة بمرض الحصبة، الأمر الذي ارتبط بارتفاع معدلات الوفيات بين الأطفال. هذا التفشي الذي أصبح يشكل تهديداً حقيقياً لصحة الأطفال، يعود في جزء كبير منه إلى انخفاض معدلات التلقيح وضعف الترصد الوبائي لأمراض الطفولة. ومن هنا، يبرز التساؤل المهم: لماذا يعد تطعيم أطفالنا ضرورة حتمية؟
أهمية التطعيم في الوقاية من الحصبة
في حديثه لموقع Le 7TV وضح د. الطيب حمضي طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية، أن مرض الحصبة، هو مرض فيروسي شديد العدوى. ففي عام 2023، أصاب المرض أكثر من 10 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، بزيادة تقدر بـ 20% مقارنة بالعام الذي قبله. إن هذا الارتفاع الملحوظ في الإصابات لم يكن ليحدث لولا ضعف التغطية اللقاحية، مما أدى إلى تفشي المرض بشكل كبير. ولذلك، فإن تطعيم الأطفال ضد الحصبة يعد من الأمور الأساسية التي يجب التأكد من تطبيقها بشكل صارم في جميع أنحاء العالم.
وبناء على تصريح الدكتور حمضي، يتضح أن الحصبة ليست مجرد مرض عابر، بل هي من الأمراض التي قد تؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل فقدان البصر والتهاب الدماغ، بل وقد تفضي إلى الوفاة في حالات عديدة. وعليه، فإن اللقاح يعد الحاجز الأمثل أمام هذه المضاعفات، حيث يساهم في حماية الأطفال من الإصابة وتجنب العواقب الوخيمة التي قد تترتب عليها.
التأثيرات السلبية لانخفاض معدلات التلقيح
وأكد الطيب حمضي، إن الطفل غير الملقح أو الذي لم يحصل على الجرعتين الموصى بهما من اللقاح، يصبح عرضة بشكل كبير للإصابة بالحصبة. فإنه في حال كانت نسبة التغطية بالتطعيم أقل من 95% في أي منطقة، فإن هذه المنطقة ستكون عرضة لتفشي المرض بشكل دوري، مما يشكل تهديداً حقيقياً للأطفال والمجتمع بشكل عام.
على الرغم من أن المغرب كان يُعتبر رائداً في مجال التطعيم ضد الأمراض المعدية، فإن الواقع الحالي يكشف عن تراجع في معدلات التلقيح في بعض المناطق. ووفقا لوزارة الصحة، فإن التغطية اللقاحية ضد الحصبة لا تتجاوز حالياً نسبة 95% في أي منطقة من مناطق البلاد، بل إن بعض المناطق تسجل معدلات أقل بكثير من هذا الرقم. إن هذا الانخفاض في معدلات التلقيح، إضافة إلى ضعف الترصد الوبائي، يجعل من الضروري إعادة النظر في سياسات التطعيم والمراقبة الصحية.
أسباب التراجع في التلقيح
من بين الأسباب التي أشار إليها الدكتور حمضي لعودة ظهور الحصبة، يأتي تردد بعض الأسر في تلقيح أطفالهم، بالإضافة إلى تأثيرات جائحة كوفيد-19 التي ساهمت في تراجع عمليات التطعيم على مستوى العالم. هذا التردد في تلقي اللقاحات يعد من أكبر التحديات التي تواجه حملات التلقيح، حيث يؤدي إلى تكوين فئات غير محصنة تساهم في تفشي الأمراض المعدية.
إضافة إلى ذلك، فإن ضعف المراقبة الوبائية وعدم وجود استجابة سريعة للمناطق التي تشهد تفشي المرض يعوق السيطرة على الوضع الصحي. لذلك، فإن إحياء برامج التلقيح والالتزام بتغطية شاملة لجميع الأطفال يعدان من الخطوات الأساسية لحماية صحة الأطفال والمجتمع.
الحلول اللازمة لحل المشكلة
من أجل الحد من تفشي الحصبة وحماية الأطفال، دعا الطيب حمضي إلى تكثيف الجهود من الأطراف المعنية، كما يجب على الأسر الالتزام بتطعيم أطفالهم بشكل كامل وفقاً للجدول الزمني المحدد، إضافة إلى تعزيز برامج استدراك التلقيح للأطفال الذين لم يتلقوا اللقاحات بشكل جيد.
علاوة على ذلك، يتطلب الأمر تعبئة وزارة الصحة والمرافق الصحية، بالإضافة إلى المهنيين الصحيين، لإعادة تفعيل حملات التوعية بأهمية اللقاحات ودورها في الوقاية من الأمراض المعدية. كما يجب استئناف المراقبة الوبائية بشكل أكثر فعالية من قبل الوزارة لضمان مراقبة الوضع الصحي في كافة المناطق.
إن الوقاية من الحصبة تتطلب تضافر الجهود من كافة الأطراف، بدءاً من الأسر وصولاً إلى الهيئات الصحية. وكما أشار الدكتور حمضي، فإن اللقاح هو السبيل الأكثر أماناً وفعالية للحد من انتشار المرض وحماية الأطفال من مضاعفاته. إن التطعيم ليس فقط حماية للأطفال، بل هو خطوة نحو مجتمع صحي خال من الأمراض المعدية.
فاطمة الزهراء الجلاد.