مجتمع

تجارة المآسي: شبكة تستغل مرضى الجلالة في عمليات نصب واسعة

في مجتمع يتسم بالتعاطف والرحمة، تجد شبكات الاحتيال والنصب بيئة خصبة لاستغلال الضعفاء والمحتاجين. إحدى هذه الشبكات تترصد مرضى داء إعتام عدسة العين، المعروف شعبيا بـ “الجلالة”، وتعرض عليهم التكفل بإجراء عمليات جراحية لاستئصال المرض.

هذه الشبكة، التي تتظاهر بتقديم خدمات إنسانية، تعتمد على استغلال أحلام وآمال المرضى بالشفاء، وتحولها إلى وسيلة لتحقيق مكاسب غير مشروعة على حساب المعوزين والأموال العمومية. إن ما يحدث ليس مجرد جريمة احتيال عادية، بل هو استغلال ممنهج لآلام الناس ومعاناتهم.

فالشبكة تستغل الفئات الأكثر ضعفا، مستفيدة من الثغرات في النظام الصحي.

تعتمد هذه الشبكة على وسطاء مهمتهم رصد الضحايا في الأماكن العامة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وحتى في المراكز الصحية التي يرتادها المعوزون. وتستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للإعلان عن مبادرات تبدو إنسانية لفائدة مرضى الجلالة، بهدف جذب أكبر عدد ممكن من الأشخاص الراغبين في العلاج. وتستهدف هذه العمليات بالضبط الأشخاص المستفيدين من تغطية “أمو تضامن”.

الوسطاء المنتشرون في الأماكن العامة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، يرصدون الضحايا ويوهمونهم بإمكانية الحصول على علاج مجاني أو منخفض التكلفة. ومع تقديم البطاقة الوطنية ورقم الانخراط في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، تبدأ رحلة الاستغلال.

هذا الاحتيال لا يؤثر فقط على المرضى، بل يمتد ليشمل المال العام. فالشبكة تقدم طلبات التكفل بالعلاج إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وتستفيد من التعويضات المالية بعد إجراء العمليات، أو في بعض الحالات، تقديم علاجات بسيطة وتضخيم الفواتير باعتبارها عمليات جراحية. هذا الاستنزاف للموارد يضر بالنظام الصحي ككل، ويؤدي إلى تقليص الموارد المتاحة للمحتاجين الحقيقيين.

وقد أوضح مصدر من النقابة الوطنية لأطباء العيون في القطاع الخاص أن الشبكة تستغل هؤلاء المرضى المعوزين للتكسب على حساب الأموال العمومية، مشيرا إلى أن هذه العمليات تجرى في ظروف تفتقر إلى الضوابط الطبية المطلوبة، مما يعرض سلامة المرضى للخطر. كما أن كثرة العمليات وإدراج نفقات إضافية تساهم في استنزاف المال العام. هذا الأمر يعكس عدم اهتمام هذه الشبكة بصحة وسلامة المرضى، حيث يركزون فقط على الربح السريع. إذ أن تكثيف العمليات وإدراج نفقات إضافية هو دليل آخر على استهتارهم بالقيم الإنسانية والمهنية.

 

وفي سياق متصل تبلغ حصة المصحات الخاصة من النفقات الصحية 11.2 مليار درهم، ما يمثل 18.9 في المائة من النفقات الصحية الحالية، في حين لا يتجاوز نصيب المستشفيات العمومية 15.2 في المائة، بما في ذلك المراكز الاستشفائية الجامعية. إذ خصصت خزينة الدولة ما لا يقل عن 9 مليارات درهم للتكفل بالمساهمات المالية للأشخاص الذين كانوا يستفيدون من نظام المساعدة الطبية “راميد”، لينتقلوا إلى نظام “أمو تضامن”.

هذه الاعتمادات المالية رفعت شهية الاستثمار في المصحات الخاصة، حيث أصبحت الفئات المعوزة تتجه مباشرة إلى القطاع الخاص بسبب تردي الخدمات في المستشفيات العمومية. هذا الواقع أدى إلى زيادة الطلب على خدمات المصحات الخاصة واستغلالها لتقديم خدمات طبية بتكاليف مرتفعة، مما يعزز نشاط الشبكات الاحتيالية.

ولمواجهة هذه الظاهرة، يتطلب الأمر تعزيز الجهود الرقابية وتوعية المواطنين بخطورة تقديم بياناتهم الشخصية للوسطاء غير المعتمدين، وتشجيعهم على اللجوء إلى المؤسسات الصحية الرسمية.

بالإضافة إلى تحسين خدمات المستشفيات العمومية لضمان تقديم رعاية صحية آمنة وفعالة للمحتاجين. هنا يأتي دور السلطات الرقابية، التي يجب أن تكون أكثر يقظة وصرامة في مواجهة هذه الممارسات. يجب على السلطات الصحية والتنظيمية اتخاذ إجراءات صارمة لوضع حد لهذه الممارسات التي تستغل معاناة الناس لتحقيق مكاسب غير مشروعة، وضمان أن يحصل كل مريض على العلاج المناسب بطريقة آمنة ومضمونة.

فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close