التعليم في المغرب: بين إصلاحات الدولة وتطلعات المجتمع
يُعتبر التعليم ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتقدم الأمم، لكنه في المغرب يظل قضية معقدة تُثقل كاهل الدولة والمجتمع على حد سواء. فرغم الإصلاحات المتعاقبة التي أطلقتها الدولة على مدى العقود الماضية، لا تزال التحديات البنيوية والهيكلية تُعيق تحقيق الأهداف المنشودة. في هذا المقال التحليلي، سنستعرض مسار إصلاح التعليم في المغرب، التحديات الرئيسية التي تواجهه، وتطلعات المجتمع نحو تعليم يلبي تطلعات الأجيال القادمة.
إصلاحات الدولة: خطوات متعثرة نحو التغيير
تُظهر سياسات التعليم في المغرب منذ الاستقلال تعددية في البرامج والرؤى، لكنها تفتقر إلى الاستمرارية والانسجام. كان “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” لعام 1999 نقطة تحول أساسية، حيث طمح إلى إرساء منظومة تعليمية حديثة وشاملة. إلا أن تحقيق الأهداف المرجوة ظل محدودًا بسبب غياب التنفيذ الفعّال وضعف الموارد.
في عام 2015، جاء “الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030” كإطار جديد لتدارك إخفاقات الماضي. ركزت الرؤية على تحسين جودة التعليم، تقليص نسب الهدر المدرسي، وتعزيز المساواة بين مختلف الفئات الاجتماعية. ومع ذلك، فإن تقارير رسمية كشفت أن التنفيذ يعاني من تعثرات، أبرزها نقص التمويل، وضعف التكوين المهني للأطر التعليمية، وعدم ملاءمة المناهج الدراسية لسوق العمل.
التحديات البنيوية والهيكلية
1. التفاوت الاجتماعي والإقليمي:
يعاني التعليم في المغرب من فجوة واضحة بين المدن الكبرى والمناطق القروية. فالولوج إلى التعليم الجيد لا يزال امتيازًا لفئة محدودة، مما يعمق الفوارق الاجتماعية ويقلص فرص التنمية المتكافئة.
2. ضعف جودة التعليم:
تشير التقارير الدولية إلى تدني مستوى التحصيل الدراسي للتلاميذ المغاربة، خصوصًا في المواد العلمية واللغات. يعود ذلك إلى ضعف التكوين المستمر للأساتذة واعتماد مناهج تقليدية لا تحفز التفكير النقدي والإبداع.
3. الهدر المدرسي:
رغم الجهود المبذولة، لا تزال نسب الانقطاع الدراسي مرتفعة، خصوصًا بين الفتيات في المناطق النائية. يعود هذا إلى عوامل اقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى نقص البنية التحتية المدرسية.
4. ربط التعليم بسوق العمل:
تعاني المنظومة التعليمية من غياب التنسيق بين التكوين الأكاديمي واحتياجات سوق العمل. ينتج عن ذلك ارتفاع معدلات البطالة بين خريجي الجامعات.
تطلعات المجتمع: بين الإحباط والأمل
يرى المجتمع المغربي أن التعليم يجب أن يكون أداة لتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وليس مجرد وسيلة للحصول على شهادة. تطلعات المواطنين تتجلى في:
• تعليم مجاني وجيد للجميع، خصوصًا في المناطق المهمشة.
• مناهج حديثة تُعزز التفكير النقدي وتواكب التحديات الراهنة.
• تكوين مهني قوي يُعزز فرص العمل للشباب.
• إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في إصلاح المنظومة التعليمية.
خلاصة: نحو رؤية مشتركة
لا شك أن إصلاح التعليم في المغرب يحتاج إلى إرادة سياسية قوية، وتعبئة مجتمعية شاملة، ورؤية منسجمة بين الدولة والمجتمع. فلا يمكن تحقيق تطلعات المواطنين دون تجاوز التحديات البنيوية التي تعيق التغيير الحقيقي. التعليم ليس فقط أداة للنهوض بالأفراد، بل هو أساس بناء مجتمع متماسك واقتصاد قوي.