“من يصنع الرأي العام في المغرب؟ بين الإعلام التقليدي والسوشيال ميديا”
في المغرب، كما هو الحال في العديد من دول العالم، يتسم الرأي العام بتغيرات سريعة وتعقيدات متزايدة في ظل ثورة المعلومات. فمنذ عقود، كان الإعلام التقليدي مثل الصحف الورقية والإذاعة والتلفزيون يشكل المصدر الأساسي لصياغة وجهات النظر المجتمعية. أما اليوم، فقد دخلت السوشيال ميديا بقوة إلى المشهد، محدثة انقلابًا في المعادلة ومثيرة تساؤلات عميقة حول من يملك حقًا سلطة تشكيل الأفكار وتوجيه النقاشات.
الإعلام التقليدي في المغرب لا يزال يحتفظ بدور مهم، خصوصًا من خلال القنوات الوطنية التي تعمل على تغطية الأحداث الكبرى، والتأثير في القضايا التي تهم الرأي العام. ورغم ذلك، يعاني هذا القطاع من تحديات كبيرة، أبرزها المنافسة الشرسة من المنصات الرقمية، واتهامات بالافتقار إلى الحيادية، وهو ما قلل من ثقة شريحة كبيرة من الجمهور في محتواه.
في المقابل، أصبحت السوشيال ميديا بمثابة “منبر للجميع”. أي شخص يمتلك هاتفًا ذكيًا يمكنه أن يشارك رأيه، ويخلق تأثيرًا قد يتجاوز أحيانًا تأثير المؤسسات الإعلامية. منصات مثل فيسبوك، تويتر، وإنستغرام، بالإضافة إلى تطبيقات الفيديو مثل يوتيوب وتيك توك، تشهد نقاشات حادة حول مختلف القضايا، بدءًا من المواضيع الاجتماعية والسياسية، وصولًا إلى القضايا الثقافية واليومية.
لكن، هذه الحرية الرقمية لم تخلُ من مخاطر. انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة أصبح تهديدًا حقيقيًا لتشكيل رأي عام واعٍ ومبني على أسس صحيحة. وبينما تسعى بعض المبادرات المدنية والمؤسسات الحكومية لمحاربة هذه الظاهرة، يظل السؤال مطروحًا: من يتحمل مسؤولية تنظيم هذا الفضاء المفتوح؟
تظل العلاقة بين الإعلام التقليدي والسوشيال ميديا معقدة. في أحيان كثيرة، يعتمد الإعلام التقليدي على السوشيال ميديا لرصد نبض الشارع، بينما تستخدم المنصات الرقمية محتوى الإعلام التقليدي كمصدر للمعلومات. هذه العلاقة التبادلية تعكس تحولًا كبيرًا في طريقة صناعة الرأي العام، حيث أصبح كل طرف بحاجة إلى الآخر، لكن دون وجود ضمانات لحيادية أو مصداقية المحتوى.
ختامًا، يبقى الرأي العام في المغرب نتاجًا لمزيج متداخل من القوى: إعلام تقليدي يسعى لاستعادة الثقة، وسوشيال ميديا تمثل سلاحًا ذا حدين. وبين الاثنين، يقف المواطن المغربي في قلب المشهد، يحاول استيعاب هذه التدفقات المتنوعة من المعلومات، واختيار ما يناسب قناعاته واحتياجاته. لكن الحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن صياغة الرأي العام اليوم لم تعد محصورة في يد جهة واحدة، بل أصبحت مسؤولية مشتركة تحمل في طياتها تحديات وفرصًا على حد سواء.