مجتمع

ملحمة وثيقة المطالبة بالاستقلال: دروس الماضي وأصداء الحاضر

يحيي الشعب المغربي اليوم السبت، 11 يناير، الذكرى الـ81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، الحدث الذي شكل محطة مفصلية في مسار الكفاح الوطني ضد الاستعمار ونقطة تحول في نضال المغاربة لاستعادة السيادة الوطنية وتحقيق الوحدة الترابية. هذا اليوم المجيد ليس مجرد ذكرى، بل رمز للكرامة الوطنية والتلاحم بين العرش والشعب، ودرس متجدد للأجيال الصاعدة حول قيمة الحرية وأهمية النضال من أجلها.
الظروف التاريخية: تقسيم الوطن وتحديات التحرير
عاش المغرب في بدايات القرن العشرين تحت نظام استعماري قاس قسم البلاد إلى مناطق نفوذ، حيث وضعت فرنسا يدها على وسط البلاد، بينما خضعت المناطق الشمالية والجنوبية لإسبانيا، فيما خضعت طنجة لنظام دولي خاص. أمام هذا الوضع، وجد المغاربة أنفسهم أمام واقع التجزئة والتفتيت، مما جعل معركة التحرير مهمة شاقة تطلبت تضحيات جسيمة ونضالا طويلا على مختلف الأصعدة.
من الانتفاضات الشعبية إلى المعارك المسلحة بالأطلس المتوسط والشمال والجنوب، ثم الانتقال إلى العمل السياسي بمناهضة الظاهر البربري لعام 1930، شهد المغرب محطات نضالية متتالية، كانت تهدف إلى الحفاظ على الهوية الوطنية ومواجهة محاولات طمسها.
دور الملكية في قيادة النضال الوطني
كان للعرش المغربي دور حاسم في إذكاء روح المقاومة وتوجيه مسار النضال الوطني. فمنذ اعتلائه العرش في عام 1927، حرص جلالة المغفور له محمد الخامس على دعم الحركة الوطنية وتعزيز ارتباط المغاربة بقضيتهم العادلة. ولعل أبرز تجليات هذا الدور تمثلت في مؤتمر آنفا التاريخي عام 1943، حيث استغل جلالته فرصة اللقاء مع الرئيس الأمريكي فرانكلان روزفلت لطرح قضية استقلال المغرب، مؤمنا بدعم الحلفاء الذين قاتل المغرب إلى جانبهم ضد النازية.
وثيقة المطالبة بالاستقلال: لحظة فارقة
في 11 يناير 1944، وقعت 67 شخصية مغربية بارزة على وثيقة المطالبة بالاستقلال، بما في ذلك مشاركة امرأة، في خطوة تاريخية جسدت طموح المغاربة في استعادة السيادة. طالبت الوثيقة بالاستقلال الكامل تحت قيادة الملك محمد الخامس، والانضمام إلى الدول الموقعة على ميثاق الأطلسي، كما دعت إلى إصلاحات داخلية شملت إرساء نظام سياسي شوري يحفظ حقوق كافة شرائح المجتمع.
ما بعد الوثيقة: نضال مستمر ورفض الخضوع
شكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال شرارة لمزيد من المقاومة، خصوصا بعد نفي جلالة المغفور له محمد الخامس على يد السلطات الاستعمارية. إلا أن هذه الخطوة عززت وحدة الشعب المغربي وألهبت روح الكفاح، مما أسفر عن عودة الملك إلى عرشه وإعلان استقلال المملكة في عام 1956.
دروس التاريخ وتجديد الالتزام الوطني
إحياء ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال ليس مجرد مناسبة للاحتفال، بل فرصة لاستحضار الدروس والعبر التي رسختها هذه المرحلة من تاريخ المغرب. إنها تذكير بأهمية الوحدة الوطنية، والتلاحم بين العرش والشعب في مواجهة التحديات، وتقدير التضحيات التي بذلت لاستعادة الحرية.
يظل هذا الحدث محطة مضيئة في تاريخ المغرب، يجدد فيها المغاربة ارتباطهم بقيمهم الوطنية والتزامهم بالحفاظ على سيادتهم ووحدتهم. إن تخليد هذه الذكرى يرسخ في الأذهان رسالة مفادها أن النضال من أجل الكرامة والسيادة ليس حدثا من الماضي، بل هو مسيرة مستمرة تتطلب وعيا جماعيا وجهودا متضافرة لصون مكتسبات الوطن.
فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close