مجتمع

العفو الجبائي في المغرب: بين تحقيق العائدات وتحديات الاستدامة الضريبية

أثار انتهاء صلاحية “العفو الجبائي” في 31 دجنبر الماضي نقاشا واسعا حول استدامة التحصيل الجبائي في المغرب وفعالية التدابير التي تسعى لضبط وتوسيع الوعاء الضريبي. هذا العفو، الذي شمل عمليتين رئيسيتين هما التسوية التلقائية للممتلكات بالخارج والتسوية الطوعية للأرباح والدخول داخل المغرب، حقق مداخيل إضافية هامة، لكنه أيضا سلط الضوء على تحديات تحقيق التوازن بين الحوافز المؤقتة والعدالة الضريبية المستدامة.
عائدات العفو الجبائي: أرقام قياسية وتأثيرات متباينة
بحسب البيانات الرسمية، أنعشت العمليتان، المدبرتان من قبل مكتب الصرف والمديرية العامة للضرائب، خزينة الدولة بمداخيل تجاوزت 8 مليارات درهم، منها أكثر من ملياري درهم نتجت عن 658 تصريحا لمصالح الصرف، فيما جاءت أكثر من 6 مليارات درهم من أصل 127 مليار درهم مصرح بها لشبابيك الإدارة الجبائية. هذه المداخيل الإضافية تجاوزت حتى التوقعات المدرجة في قانون المالية لعام 2025 من تفويت مساهمات الدولة، والتي قدرت بـ6 مليارات درهم.
ورغم هذه الأرقام المشجعة، يواجه هذا الإجراء انتقادات تتعلق بفعاليته طويلة المدى، حيث يرى خبراء أنه قد يشجع على التهرب الضريبي في المستقبل إذا ما تم الاعتماد عليه كحل دائم بدلا من كونه إجراء استثنائيا.
رهانات الامتثال الضريبي في ظل التحديات الاقتصادية
تسعى الحكومة المغربية في عام 2025 إلى تحقيق مداخيل ضريبية تصل إلى 320.1 مليار درهم، ما يعادل 19.5% من الناتج الداخلي الخام. هذا الهدف يتطلب إعادة النظر في النموذج الجبائي المعتمد، مع التركيز على تحفيز الامتثال الضريبي الطوعي، وهو ما أكده الخبير المحاسبي محمد أمين بنرحمون، الذي أوضح أن تعزيز العدالة الضريبية، واعتماد الرقمنة، يمكن أن يسهم في تحسين العلاقة بين المواطنين والإدارة الضريبية.
وأشار بنرحمون إلى أن رقمنة الإدارة تسهل الإجراءات وتقلص فرص الفساد، مما يعزز الشفافية والفعالية. كما أنها تسهم في مكافحة التهرب الضريبي بشكل أكثر دقة وتساعد في دمج القطاع غير المهيكل ضمن الاقتصاد الرسمي، ما يزيد من قاعدة المداخيل الضريبية ويعزز المناخ الاستثماري.
العفو الجبائي: بين الضرورة والإشكاليات
في سياق تحليل تأثير “العفو الجبائي”، يرى الخبير الاقتصادي محمد يازيدي شافعي أن هذا الإجراء، رغم أهميته في تحسين العلاقة بين الدولة والمواطنين وجذب مداخيل سريعة، يحمل مخاطر مرتبطة بالعدالة الضريبية واستدامة المداخيل. إذ يمكن أن يفهم كتشجيع ضمني على التهرب الضريبي من قبل الملتزمين، ما يضعف ثقافة الامتثال الطوعي.
وشدد يازيدي على ضرورة أن يبقى هذا الإجراء استثنائيا ومصحوبا بإصلاحات هيكلية تعزز الشفافية وتضمن تحقيق العدالة الضريبية. كما أشار إلى أهمية استهداف الفئات المستحقة فقط واعتماد سياسات رقمنة شاملة، بما يضمن تحسين الرقابة وتقليل الهدر والفساد.
نحو نموذج جبائي مستدام
مع التحديات الاقتصادية التي يواجهها المغرب، بما في ذلك استعداداته لاستضافة مونديال 2030، يبقى تعزيز الامتثال الضريبي رهانا رئيسيا لتحقيق الاستقرار المالي والنمو المستدام. ولتحقيق ذلك، يتوجب على الحكومة المغربية تبني سياسات شاملة تعزز الشفافية والعدالة، وتحفز دافعي الضرائب على الانتقال من القطاع غير المهيكل إلى القطاع الرسمي.
إن نجاح المغرب في تحقيق هذه الأهداف لن ينعكس فقط على المداخيل الجبائية، بل سيعزز أيضا مناخ الثقة بين المواطنين والإدارة الضريبية، ما يمثل ركيزة أساسية لدفع عجلة التنمية وجذب الاستثمارات على المدى الطويل.
فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close