
مع استمرار التحديات الاقتصادية التي تواجه الأسر المغربية، يبرز التضخم كأحد أهم المؤشرات التي تعكس الضغوط المعيشية. وبينما تظهر البيانات الرسمية انخفاضا طفيفا في المؤشر العام لأسعار المستهلك خلال عام 2024، فإن التضخم الأساسي، الذي يعبر عن التغير في أسعار السلع والخدمات الأساسية، لا يزال يشكل عبئا متزايدا على المواطنين. في هذا السياق، يقدم الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الاستشعار الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري، قراءة تحليلية لهذا الوضع، موضحا أسباب التشاؤم الاقتصادي للأسر، والتحديات الهيكلية التي تعيق تحسين قدرتها الشرائية، والتوقعات المستقبلية في ظل استمرار الضغوط الداخلية والخارجية. في تصريح توصلت جريدة le 7 TV بنسخة منه.
ما هي قراءتكم للتطور السنوي لمؤشر أسعار المستهلك (IPC) لعام 2024 في سياق الحديث عن التضخم؟
الغنبوري: التطور السنوي لمؤشر أسعار المستهلك (IPC) لعام 2024 يعكس وضعا متناقضا، فرغم تسجيل التضخم العام ارتفاعا معتدلا بنسبة 0.9%، إلا أن التضخم الأساسي، الذي يستثني المنتجات ذات الأسعار المتقلبة والمنتجات التي تخضع لتسعير عمومي، بلغ 2.4%، هذا التناقض يظهر أن الضغوط التضخمية تتركز بشكل رئيسي على المنتجات والخدمات التي يستهلكها المواطنون بشكل يومي، مثل المواد الغذائية والخدمات الأساسية.
فعلى سبيل المثال، شهدت أسعار الخضروات والفواكه تراجعا بنسبة 3.9% و2.3% على التوالي في شهر دجنبر، إلا أن منتجات أساسية أخرى مثل اللحوم والزيوت ارتفعت بنسبة 1% و0.8% على التوالي، وهذه التغيرات المتباينة في الأسعار تبرز أن الأسر المغربية تعاني بشكل خاص من الزيادات في المنتجات التي تشكل جزءا لا يتجزأ من حياتها اليومية، مما يثقل كاهل قدرتها الشرائية.
الأسر المغربية لا تزال متشائمة بشأن تطور الوضع الاقتصادي. كيف تفسرون هذا الشعور؟
الغنبوري: تشاؤم الأسر المغربية يعكس فجوة متزايدة بين المؤشرات الاقتصادية العامة وتجاربها الحياتية اليومية، ورغم تسجيل انخفاض طفيف في مؤشر أسعار المستهلك في دجنبر 2024 بنسبة 0.2%، إلا أن الأسر لا تشعر بأي تحسن ملموس في معيشتها، والسبب الرئيسي وراء هذا الشعور هو التضخم الأساسي الذي لا يزال مرتفعا، بالإضافة إلى الزيادة المستمرة في تكاليف خدمات أساسية مثل السكن، الكهرباء، والمحروقات، التي ارتفعت بنسبة 2.6%.
كما أن هناك شعورا بأن التعديلات على الأسعار في بعض القطاعات لا تعكس بصفة عادلة، فعلى سبيل المثال رغم انخفاض الأسعار الدولية للمحروقات ، لم تنخفض تكاليف النقل إلا بنسبة ضئيلة جدًا بلغت 0.2% فقط بين شهري نوفمبر وديسمبر. هذه الفجوة بين الانخفاض في السوق الدولية وما ينعكس على المستهلك المحلي تغذي الشعور بعدم الإنصاف الاقتصادي. المواطن يرى انخفاضات تعلن دوليا، لكنه لا يجد لها أثرا في تكاليف حياته اليومية، مما يعزز شعوره بالركود والتهميش.
برأيكم، ما هي التوقعات لعام 2025 فيما يتعلق بتطور التضخم؟
الغنبوري: توقعات التضخم لعام 2025 تعتمد بشكل كبير على عوامل داخلية وخارجية، فإذا استقرت أسعار المواد الخام والطاقة أو انخفضت، فقد يسهم ذلك في تقليل الضغوط التضخمية، لكن في المقابل، قد تتسبب التوترات الجيوسياسية واضطرابات سلاسل التوريد العالمية في عكس هذا الاتجاه ورفع التكاليف.
على الصعيد الوطني، السياسات الاقتصادية والنقدية ستكون العامل الحاسم، فإذا اتخذت إجراءات تعزز القدرة الشرائية للأسر وتراقب هوامش الربح في القطاعات الحساسة، يمكن أن يساهم ذلك في الحد من التضخم، لكن إذا استمرت البلاد في الاعتماد الكبير على الواردات، خاصة في المنتجات الغذائية، فإن تقلبات الأسواق العالمية ستستمر في التأثير المباشر على الأسعار المحلية.
كذلك، التضخم الأساسي الذي بلغ 2.4% في 2024 قد يظل مرتفعا في 2025 ما لم تنفذ إصلاحات هيكلية، فالقطاعات المرتبطة بالسكن والخدمات العامة، مثل الكهرباء والماء، إلى جانب القطاعات الخدمية، ستظل تضغط على الأسر ما لم يتم التحكم في تكاليفها.
في المجمل، عام 2025 قد يكون عاما مفصليا، إذا تم تنفيذ إصلاحات جدية لمعالجة الاختلالات الاقتصادية وتعزيز المنافسة وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، فقد تنخفض معدلات التضخم، أما في حال غياب هذه التدابير، فإن التضخم سيواصل الضغط على القدرة الشرائية، مما يفاقم شعور الأسر بالتشاؤم ويزيد من التحديات الاقتصادية.
فاطمة الزهراء الجلاد.