سياسة

أزمة تضارب المصالح: هل تخفي الحكومة الحقائق أم تبرر الأخطاء؟

تحليل سياسي لجدلية الضريبة وتضارب المصالح

في واحدة من القضايا التي أثارت الجدل السياسي في المغرب، يواجه رئيس الحكومة اتهامات بتضارب المصالح، إثر استحواذ شركة يملكها على مشروع محطة لتحلية مياه البحر بجهة الدار البيضاء-سطات، وهو ما أثار تساؤلات دستورية وقانونية حول شفافية العملية. القضية تصدرت المشهد السياسي بعد مؤتمر صحفي عقده حزب العدالة والتنمية في 19 دجنبر 2024، حيث كشف عن أدلة تدعم شبهة تضارب المصالح، ما فتح الباب لنقاش واسع حول شفافية العمل الحكومي واحترام القوانين.

تطور القضية: من الصمت إلى الدفاع الحكومي

يقول رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية والوزير السابق ادريس الأزمي الإدريسي، أنه بعد فترة من الصمت الحكومي، قامت فرق الأغلبية باستدعاء الوزير المكلف بالميزانية خلال جلسة برلمانية في 13 يناير 2025. وكان الهدف هو تبرير استفادة الشركة المعنية من تخفيض ضريبي إلى 20% بدلا من 35%، وهو تخفيض تم اعتماده ضمن تعديلات قانون المالية لسنة 2023. وأوضح الأزمي، أن الوزير حاول تبرير هذه الإعفاءات بأنها جاءت استجابة لطلب صندوق محمد السادس للاستثمار، وأن الهدف كان الحد من ظاهرة تقسيم الشركات لتجنب الزيادة في الضرائب.

لكن هذا التبرير حسب ادريس الأزمي، أثار المزيد من التساؤلات، خاصة أن التخفيض الضريبي لم يكن مبادرة حكومية بل جاء من تعديل اقترحه فريق برلماني في مجلس المستشارين، خارج الأغلبية الحكومية. فلماذا لم تنتبه الحكومة لهذا التعديل في مراحله الأولى؟ ولماذا تركت مسؤولية تبني هذا الإجراء لفريق غير حكومي؟

إشكاليات التبرير الحكومي

أتارت هذه القضية جدلا واسعا في الوسط الحكومي مما جعل رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية والوزير السابق، طرح عدد من التساؤلات والإشكالات التي تثير الشكوك حولها، وابرزها:
أولا، غياب المبادرة الحكومية:
أثار تصريح الوزير جدلا حول غياب التنسيق الحكومي، حيث يعود أصل التخفيض الضريبي إلى تعديل تقدم به فريق برلماني مستقل. فإذا كانت الحكومة ترى أن هذا الإجراء حيوي لصندوق محمد السادس للاستثمار، فلماذا لم تتبن هذا الإجراء ضمن مشروع قانون المالية الأصلي؟ وكيف تركت مؤسسة استراتيجية مثل الصندوق تعتمد على مبادرات خارجية لضمان بيئتها الاستثمارية؟

ثانيا، ازدواجية المعايير:
الملفت للنظر أن الحكومة لم تقدم تفسيرا حول تخفيض الحد الأدنى للضريبة على شركات المحروقات من 0.25% إلى 0.15% في نفس الفترة. فهل كانت هناك دوافع مشابهة وراء هذا الإجراء؟ أم أن تخفيض الضرائب أصبح أداة تخدم مصالح محددة دون النظر في تداعياتها على الاقتصاد الوطني؟

ثالثا، محدودية الجدوى:
تساءل خبراء عن فعالية هذه التعديلات في منع إنشاء شركات فرعية لتجنب الضرائب، خاصة أن التخفيض يشمل الشركات المحدثة ابتداء من يناير 2023 فقط. إذا كانت الشركات الكبرى تستطيع بسهولة الالتفاف على هذا الإجراء، فما جدواه على المدى الطويل؟

رابعا، توقيت الدفاع الحكومي:
من المثير للريبة أن الحكومة لم تقدم هذا التفسير إلا بعد تفجر قضية تضارب المصالح المتعلقة برئيسها. فهل جاءت هذه التبريرات للتغطية على الإشكالية الرئيسية؟ وما مدى احترام هذه التصريحات للرأي العام ومؤسسة البرلمان؟

أزمة الثقة في العمل الحكومي

يقول ادريس الأزمي، أن القضية كشفت عن أزمة ثقة بين الحكومة والرأي العام. فالدفاع الحكومي لم يكن مقنعا بل عمق الشكوك حول شفافية العملية. فمن حق الحكومة أن تدافع عن سياساتها، لكن استغلال البرلمان لتبرير تضارب المصالح يقوض مصداقية المؤسسة التشريعية.

وعلى الحكومة أن تلتزم بالشفافية والوضوح، لا أن تقدم مبررات غير دقيقة، خصوصا في قضايا تمس القوانين المالية والمصالح الوطنية. فالرأي العام بحاجة إلى إجابات واضحة، لا تبريرات تزيد من غموض المشهد السياسي والاقتصادي.

ستظل هذه القضية اختبارا لمصداقية الحكومة ومدى احترامها للمؤسسات الدستورية، وتفرض ضرورة تعزيز الشفافية والمحاسبة في إدارة الشأن العام.

فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close