سياسة

“ الجزائر في مواجهة العزلة الدبلوماسية.. تداعيات ملف الصحراء المغربية تزداد تعقيداً ”‎

تواجه الجزائر عزلة دبلوماسية متزايدة على الساحة الدولية، نتيجة استمرار مواقفها المتصلبة من ملف الصحراء المغربية. وبينما يحقق المغرب مكاسب دبلوماسية واضحة على مختلف الأصعدة، تجد الجزائر نفسها في موقف دفاعي، حيث تتزايد المؤشرات على تراجع تأثيرها في هذا الملف الذي ظل لسنوات محور سياستها الخارجية.

شهدت السنوات الأخيرة تحولات جوهرية في مواقف العديد من الدول تجاه قضية الصحراء المغربية، حيث افتتحت عدة دول قنصليات في العيون والداخلة، في خطوة تُعتبر تأكيداً على الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية. هذا التحول كان بمثابة ضربة قوية للجزائر، التي وجدت نفسها في عزلة متزايدة بعدما أصبح دعمها لجبهة البوليساريو يفتقر إلى الحاضنة الدولية التي كانت تعتمد عليها في السابق.

إلى جانب ذلك، جاء الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في 2020 ليُحدث تحولاً جذرياً في مسار هذا النزاع. ورغم محاولات الجزائر التقليل من أهمية هذا القرار، فإن تداعياته كانت واضحة على موقفها، خصوصاً بعد أن تبنّت قوى كبرى، كألمانيا وإسبانيا، مواقف أكثر قرباً من الرؤية المغربية للحل. هذا التحول أربك الدبلوماسية الجزائرية التي باتت تعتمد على خطاب تصعيدي دون تحقيق مكاسب تُذكر.

في المقابل، نجح المغرب في تعزيز حضوره الدولي من خلال نهج دبلوماسي متوازن قائم على الشراكات الاستراتيجية. وقد أظهرت القمم الإفريقية والدولية الأخيرة تزايد عدد الدول التي تساند مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب كحل نهائي للنزاع. هذا الدعم يضع الجزائر أمام معادلة صعبة، حيث أصبح موقفها التقليدي أقل جاذبية في الساحة الدولية.

تسببت هذه العزلة أيضاً في توترات داخلية داخل الجزائر، حيث باتت السياسة الخارجية محط انتقادات واسعة من قبل معارضين يرون أن البلاد تخسر مواقعها الدبلوماسية بسبب تمسكها بقضية لم تعد تحظى بنفس الزخم الدولي السابق. كما أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها الجزائر جعلت العديد من الأصوات تطالب بإعادة ترتيب الأولويات والتركيز على الملفات الداخلية بدل الاستمرار في معركة تبدو خاسرة.

من جهة أخرى، تحاول الجزائر الترويج لفكرة أن المغرب يستخدم نفوذه الاقتصادي والدبلوماسي لاستمالة الدول وتغيير مواقفها، إلا أن الواقع يشير إلى أن التحولات التي يشهدها الملف ليست مجرد نتيجة لاتفاقيات ثنائية، بل هي جزء من إعادة تموضع استراتيجي للقوى الدولية، حيث بات يُنظر إلى المغرب كقوة إقليمية مستقرة وقادرة على لعب أدوار محورية في القارة الإفريقية.

كما أن انسحاب الجزائر من الاجتماعات والقمم التي تناقش قضية الصحراء لم يعد يشكل ضغطاً على المغرب، بل على العكس، أصبح يُفسَّر كدليل على فقدانها القدرة على فرض أجندتها في المنظمات الدولية. وقد ظهر هذا بوضوح في القمم الإفريقية الأخيرة، حيث أصبح موقف الجزائر هامشياً أمام تأييد متزايد للحل المغربي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التصعيد السياسي والإعلامي الذي تتبناه الجزائر تجاه المغرب زاد من عزلتها، خاصة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط في 2021. فرغم محاولات تحميل المغرب مسؤولية التوترات، فإن المجتمع الدولي ينظر إلى هذه الخطوة باعتبارها تعبيراً عن مأزق جزائري أكثر منها استراتيجية فعالة.

ويبدو أن الرهان الجزائري على مواقف بعض الدول المعارضة لمغربية الصحراء لم يؤتِ ثماره، إذ إن العديد من هذه الدول باتت أكثر براغماتية في تعاملها مع الملف، مدركة أن النزاع يجب أن يُحل وفق مقاربات واقعية وليس من خلال خطابات أيديولوجية لم تعد تجد صدى في العلاقات الدولية.

كما أن التحولات الإقليمية، خاصة في منطقة الساحل، أثّرت سلباً على النفوذ الجزائري، حيث أصبح المغرب أكثر حضوراً في القضايا الأمنية والاقتصادية بالقارة الإفريقية، بينما تعاني الجزائر من صعوبات في إعادة التموضع داخل هذا المشهد المتغير.

في ظل هذه التطورات، تبدو الجزائر أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار في نهجها التقليدي، وهو ما يعني مزيداً من العزلة والتهميش، أو تبني مقاربة جديدة أكثر واقعية تتماشى مع التحولات الإقليمية والدولية. إلا أن المعطيات الحالية تشير إلى أن القيادة الجزائرية لا تزال متمسكة بالموقف الأول، رغم الخسائر الدبلوماسية المتزايدة التي تتكبدها.

ومع استمرار هذه العزلة، يبقى السؤال مطروحاً حول مستقبل الدور الجزائري في المنطقة، وهل ستتمكن الجزائر من مراجعة استراتيجيتها الخارجية أم ستواصل السير في طريق يبدو أنه يؤدي إلى مزيد من التراجع و التهميش؟

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close