
في خضم السجال السياسي الذي يطبع المشهد العام في المغرب، عاد الجدل حول مدى جدية الحكومة في محاربة الفساد ومدى تأثير الخطاب السياسي المتوتر على جهود الإصلاح الاقتصادي. مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، خرج بتصريحات قوية، معتبراً أن “شيطنة” الحكومة لا تخدم هذه الجهود، بل تعرقل المسار الإصلاحي الذي تحاول الحكومة السير فيه.
في مقابل ذلك، كشفت الأرقام الرسمية عن انخفاض معدل المديونية إلى 69% من الناتج الداخلي الخام، وهو تطور يراه البعض دليلاً على تحسن مالي، بينما يرى آخرون أنه مجرد تحسن ظرفي لا يعكس بالضرورة نجاعة السياسات الاقتصادية للحكومة.
تصريحات بايتاس حول “شيطنة الحكومة” لم تأتِ من فراغ، بل تعكس حالة من الاحتقان السياسي التي باتت تؤثر على النقاش العمومي حول الإصلاحات. فمنذ توليها المسؤولية، تواجه الحكومة انتقادات حادة بسبب طريقة تدبيرها لعدد من الملفات، وعلى رأسها محاربة الفساد، حيث يعتبر منتقدوها أنها تفتقد لإرادة سياسية حقيقية، بينما يرى أنصارها أنها تحاول تحقيق إنجازات وسط تحديات معقدة.
في هذا السياق، تبرز إشكالية الفساد كواحدة من أكبر العقبات أمام التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تؤكد تقارير وطنية ودولية أن المغرب لا يزال يعاني من انتشار مظاهر الفساد الإداري والمالي، رغم المجهودات المبذولة لمحاربته. وهنا يطرح التساؤل: هل تستطيع الحكومة تحقيق تقدم في هذا الملف في ظل الانقسامات السياسية الحادة؟
في خضم هذا الجدل السياسي، برز معطى اقتصادي مهم يتمثل في انخفاض معدل المديونية إلى 69% من الناتج الداخلي الخام، وهو رقم يُنظر إليه من زوايا مختلفة.
بالنسبة للحكومة، يمثل هذا الانخفاض مؤشراً إيجابياً يعكس نجاعة التدبير المالي، لا سيما في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية التي شهدها المغرب والعالم، من جائحة كورونا إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا.
لكن في المقابل، يرى محللون اقتصاديون أن هذا التراجع قد يكون ظرفياً أكثر منه هيكلياً، مشيرين إلى أن المديونية لا تزال مرتفعة مقارنة بمعدلات ما قبل الجائحة، وأن تحقيق استقرار مالي مستدام يتطلب سياسات اقتصادية أكثر عمقاً، مثل تحسين مناخ الاستثمار، وتعزيز الإنتاج المحلي، وتقليل الاعتماد على التمويل الخارجي.
وسط هذه المعطيات، تظل التحديات المطروحة أمام الحكومة كبيرة ومعقدة. فمن جهة، تواجه انتقادات متزايدة بشأن مدى جديتها في محاربة الفساد، حيث يرى البعض أن الحديث عن الإصلاح يظل نظرياً في غياب إجراءات ملموسة وقوية ضد المفسدين. ومن جهة أخرى، يُطرح تحدي الحفاظ على الاستقرار المالي وتحقيق نمو اقتصادي قادر على تقليل الفوارق الاجتماعية وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
ومع اقتراب نهاية النصف الأول من الولاية الحكومية، يظل السؤال مطروحاً: هل ستنجح الحكومة في تحويل خطاب الإصلاح إلى واقع ملموس، أم أن الصراعات السياسية ستظل تعيق مسار التغيير؟