سياسة
الهلالي في حوار مع LE 7TV: ماذا ربحت البلاد من إدخال أشخاص ليست لديهم أي قدرة على التدبير السياسي للمغرب والمغاربة ؟

في ظل الاستعدادات المتسارعة للانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في عام 2026، بدأ النقاش السياسي يشهد موجة من الاهتمام المتزايد حول التحركات التي تسبق الموعد الانتخابي. هذه التحركات، رغم كونها مبكرة، تعكس بوضوح معالم التنافس الشديد على قيادة “حكومة المونديال” المنتظرة. ورغم أن الساحة السياسية تشهد حراكا غير مسبوق، إلا أن الملفت للانتباه وحسب ما يتم الترويج له الآن هو أن أحزاب المعارضة، التي من المفترض أن تكون في قلب التنافس على تصدر المشهد، تبدو خارج دائرة المنافسة حتى الآن، إذ باث السباق يقتصر فقط على أحزاب التحالف الثلاثي: “الأحرار”، “البام”، و”الاستقلال”. وبينما تتفاقم التحديات الاقتصادية والاجتماعية، تزداد أهمية هذه الانتخابات في تحديد معالم المرحلة المقبلة، وسط تساؤلات حول مدى قدرة الأحزاب على استعادة ثقة المواطن المغربي وتعزيز المشاركة الديموقراطية؟ وهل ستتمكن المعارضة من إيجاد مساحة لها في هذا السباق المحصور؟ وكيف ستؤثر الحصيلة الحكومية على نتائج الانتخابات المقبلة؟ .
في إطار هذه التساؤلات، وبحثا عن إجابات موضوعية، تطرقت جريدة LE 7TV، في حوار مع عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، السيد امحمد الهلالي، إلى تقييم الأوضاع السياسية الراهنة في المغرب، مع التركيز على التنافس السياسي بين الأحزاب، وأداء الحكومة والمعارضة، فضلا عن التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجهها البلاد. كما سلطنا الضوء على فشل الحكومة في الوفاء بوعودها للمواطنين، مع الإشارة إلى ضعف التنافس السياسي الحقيقي، حيث تهيمن المصالح الشخصية على الأحزاب، مما يساهم في عزوف الناخبين عن المشاركة في العملية الانتخابية. وناقشنا أيضا تأثير الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على خيارات الناخبين، بالإضافة إلى طرح تساؤلات حول إمكانية المعارضة في تقديم بديل حقيقي وملموس للمواطنين.
وفيما يلي نص الحوار:
المحور الأول: حول التنافس السياسي.
الصحفي: كيف تقيم استعدادات التحالف الثلاثي لخوض الانتخابات التشريعية لعام 2026؟
الهلالي: ما يحدث الآن هو أن التحالف الثلاثي قد أطلق العنان لتصريحات أعضائه حول من سيتصدر الانتخابات، بطريقة يمكن وصفها بأنها تغيب الإرادة الشعبية، وتتسم بالتنافس على الحظوة بدلا من التنافس على البرامج والمشاريع. وما نراه أشبه بـ”منافسة على المال والمصالح” أو “بناء علاقة مع أصحاب النفوذ”، وهو ما لا يمكن أن يعد تنافسا انتخابيا أو استعدادا حقيقيا، بل هو استعراض للقوة وبحث عن الاستقواء بمصادر مشروعية خارج الإرادة الشعبية.
فإذا كان هناك تنافس حقيقي، فهو على من يمتلك قاعدة البيانات والمعلومات المفيدة للانتخابات، من خلال تعيين المقربين والموالين في المناصب التي تحتكر معلومات المستفيدين من الدعم المباشر أو من بعض الخدمات التي تقدمها الإدارات والمؤسسات. ويتم استغلال هذه المعلومات في العملية الانتخابية، مما يربط هذه الخدمات بالاصطفاف الانتخابي، وهذا أمر في غاية الخطورة.
والتنافس الوحيد الذي يبدو لي واضحا هو التنافس على امتلاك وسائل التأثير المسبق على الناخبين، سواء عن طريق استمالتهم بمنافع مادية أو مقابل المال. ويظل التنافس بين مكونات الأغلبية السياسية يدور حول من يستطيع تعيين أكبر عدد من الموالين له في المناصب والمسؤوليات ذات الفائدة السياسية والانتخابية، دون أن نرى تدخلا حقيقيا من الدولة لضمان حياد المناصب العمومية وحياد الأموال العامة في العملية الانتخابية، وهو أمر مؤسف.
الصحفي: ما الذي يميز التحركات المبكرة لأحزاب التحالف الحكومي مقارنة بمواقف المعارضة؟
الهلالي: ما يميز تحركات أحزاب الأغلبية الحكومية هو انفراط عقد التضامن الحكومي وبدء التهرب من المسؤولية التضامنية عن الإخفاق والفشل، وهو ما قد يكون سببا في التصويت العقابي المرتقب. لذلك، سيكون التنافس منصبا على التهرب من المسؤولية عن الأداء، والبحث عن مصادر أخرى للمشروعية، مثل القرب من الجهات النافذة، والتنافس في إبراز من قدم الخدمة كما ينبغي وبما يحقق الغرض الذي تم من أجله هندسة انتخابات 8 شتنبر 2021.
ففي هذا السياق، لا يتعلق التنافس بنيل رضا الجمهور بناء على الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي فقط، بل بالسعي للحصول على “وعد” بتصدر الانتخابات من خلال نيل رضا الجهات العليا. هذا ما تركز عليه تصريحات بعض منتسبي أحزاب التحالف، وليس التنافس حول من سيظفر بالانتخابات بناء على الأداء والقدرة على إقناع الناخبين بخطاب سياسي مقبول وذا مصداقية.
وهاهنا نجد حزب “الأحرار”، لا يزال يمني نفسه بالاستمرار في قيادة الحكومة على خلفية مطالباته بزيادة مكافأته لقاء نجاحه في إبعاد الإسلاميين، وما قدمه في هذا الصدد من مجهود مالي، والذي يهدف بالأساس إلى تمديد المدة في محاولة لاسترداد تلك المكافأة، رغم الصفقات الكبيرة والأرباح غير الأخلاقية التي تحققت في ظل هذه الولاية.
أما حزب “البام”، الذي تم تأسيسه بهدف الحكم، فيبدو أن انتظاره قد طال أكثر من اللازم، وأصبح الوقت مناسبا للحصول على “دوره” في قيادة الحكومة، رغم أن الفضائح التي يرتكبها قادته أو ناخبون كبار في صفوفه تشكل عائقا أمامه في تحقيق هذا الطموح.
وبالنسبة لحزب “الاستقلال”، الذي يطمح إلى العودة إلى قاعدة “مولا نوبة” التي يعتبرها من إبداعاته الخاصة، فإنه يفتقر إلى المقومات اللازمة، كما أن زعامته تفتقر إلى الكاريزما، بالإضافة إلى عدم قدرته على تجاوز الصراعات الداخلية التي تعرقل عمله التنظيمي وتشل أجهزته لفترات طويلة.
أما بالنسبة للمعارضة، فهي بدورها تمتلك نفس الفرصة للتنافس، خاصة أن أدائها السياسي والتواصلي والتنظيمي يتفوق بفارق كبير على مكونات الأغلبية.
والخلاصة هي أنه إذا توفر الحد الأدنى من التنافس المفتوح وتوفرت الضمانات المطلوبة حول نزاهة الانتخابات ومصداقيتها، بما في ذلك نظام انتخابي معقول وتقسيم انتخابي متوازن، فستعود الأحزاب التي نالت الصدارة الانتخابية في الانتخابات الأخيرة إلى وضعها الطبيعي، مثل “الأحرار” و”البام”، لأن هذه الأحزاب في جوهرها تعد أحزابا مكملة وأحزابا لتعديل التوازنات مع القوى الشعبية، ولم تكن يوما أحزابا سياسية للحكم والتدبير، لأنها تفتقر إلى المقومات التي تمكنها من تصدر الانتخابات أو قيادة الحكومة، خاصة بعد انهيار سردية الكفاءات التي كانت تسوق لها، والتي مفادها أن من ينجح في عالم الأعمال يمكنه النجاح في الحكم. ولكن ما اكتشفه الناس هو أن النجاح في عالم المال والأعمال لم يكن نتيجة لكفاءات استثنائية أو جهود استثمارية حقيقية، بل كان مرتبطا بالريع واقتصاد المحسوبية والحظوة، وبالتالي بتضارب المصالح والتواطؤ على الأسعار وتشريع الأغراض الشخصية، إضافة إلى عرقلة الاستثمارات لأغراض ربحية شخصية، كما أشار إلى ذلك الخطاب الملكي بهذا الخصوص، وكذلك بسبب الأرباح غير الأخلاقية التي تراكمت نتيجة استغلال الأزمات الدولية أو بعض المشاريع التي تمت في غياب الضمانات والاحترازات المطلوبة.
ومن ثم، كان الفوز الانتخابي أيضا نتيجة أموال “جمعية جود” و17 مليار درهم التي تم الاستيلاء عليها من جيوب المغاربة عبر استغلال تحرير أسعار المحروقات، وهو ما كشفته الأحداث عندما ظهرت حقيقة الكفاءات القادمة من الشركات المرتبطة بالمسؤولين الحكوميين بهدف احتكار الصفقات.
ومن هنا، أرجح أن التنافس الانتخابي الفعلي سيكون بين مكونات العائلة السياسية ذات الامتداد الشعبي من الحكومة والمعارضة معا. وإذا كانت الانتخابات المقبلة تختلف عن انتخابات 2021 (وأنا لا أقول إنها ستكون ديمقراطية كاملة)، فإن التنافس سينحصر بين حزب “الاستقلال” وحزب “العدالة والتنمية”، وسينحصر التنافس على المرتبة الثالثة بين حزب “السلطوية” من جهة، وحزب “احتكار الثروة” و”الحركة الشعبية” من جهة أخرى.
وفي المحصلة، من المتوقع أن يعود المغرب إلى النمط الانتخابي التقليدي، الذي لا يسمح بتشكيل التحالف الحكومي بأقل من خمس أو سبع أحزاب، ولا يسمح لأي حزب بتجاوز عتبة الـ60 مقعدا. كما أنه لن يسمح بإنزال الأحزاب ذات الثقل الشعبي إلى ما دون حجمها الطبيعي بكثير، ما قد يشعرها بالإهانة ويدفعها إلى ممارسة معارضة لا تستطيع الأحزاب الموجودة في الحكومة تحملها أو يفوق قدراتها السياسية.
الصحفي: هل ترى أن التحالف الثلاثي قادر على الحفاظ على مكانته الانتخابية رغم الانتقادات الموجهة لأداء الحكومة؟
الهلالي: إذا سارت العملية السياسية وفقا لأبسط القواعد المتعارف عليها ديمقراطيا وقانونيا، فإن الطبيعي هو أن نشهد تصويتا عقابيا ضد الأحزاب المشاركة في الحكومة، لأنها لم تفشل فقط في أدائها وفي تحقيق وعودها ومعالجة الغلاء، بل إنها أيضا تورطت في فساد واحتكار واستحواذ على الصفقات والمناصب، مما أدى إلى إفراغ المبادئ الدستورية من محتواها وإعادة المغرب والمغاربة إلى ما قبل دستور 2011.
وإذا بقيت الأمور على ما هي عليه، فإن ما كرسته جميع الانتخابات الجزئية سيتكرر، ولكن بشرط واحد وهو أن تظل نسبة المقاطعة الانتخابية عند مستوياتها المتدنية وغير المسبوقة، مما سيجعل أي مؤسسة تنبثق عن الانتخابات تفتقر إلى المصداقية والشرعية. وهذا يمثل خطرا غير يسير على البلاد والعباد.
المحور الثاني: حول أداء المعارضة
الصحفي: ما هي الأسباب الرئيسية التي جعلت المعارضة غير قادرة على تقديم بديل واضح للمواطنين؟
الهلالي: الحكم على المعارضة بأنها لم تتمكن من تقديم بديل واضح هو حكم قيمة مسبق. وإذا كان المقصود بالبديل هو الكفاءات، فيمكن مقارنة الزعماء أو الوزراء السابقين بالحاليين، أو مقارنة الأطر والمناضلين داخل المؤسسات وفي البرامج الحوارية والسياسية لتوضيح الفارق. أما إذا كان المقصود بالبديل هو البرامج، فيكفي القول إن البرنامج الحالي ليس سوى امتداد لما سبقه في أهم المشاريع. أما المبادرات التي تميز بها برنامج هذه الحكومة فقد لقيت الفشل، مثل مبادرات “فرصة” و”أوراش” والوعود بتشغيل مليوني مواطن، في وقت تجاوزت فيه نسب البطالة 21% حسب الإحصاء العام، و13.7% حسب التقديرات الدورية للمندوبية السامية للتخطيط.
إذن، إذا كان المراقب محايدا، فإن العكس هو الصحيح، حيث فشلت الحكومة الحالية في تقديم بديل عن الحكومات التي سبقتها، والتي كانت تمثل جزءا أساسيا من مكوناتها الرئيسية، وكان بعضها يشرف على أهم القطاعات المؤثرة مثل القطاعات الاقتصادية والفلاحية والتجارية والسياحية.
الصحفي: هل هناك أمل في أن تعيد أحزاب المعارضة ترتيب صفوفها قبل موعد الانتخابات؟
الهلالي: رغم أن المعارضة تتعدد وتتنوع، فإن صفوفها أكثر تماسكا من صفوف أحزاب الأغلبية. والسبب بسيط، وهو أن الأحزاب في الحكومة، باستثناء حزب الاستقلال، ليست أحزابا بالمعنى الدقيق للكلمة، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تراص لصفوفها أصلا. هي تجمعات للحكم أو لفرملة الحكومات التي يقودها خصومها. أما أحزاب المعارضة فهي أحزاب شعبية تعتمد على العمل الحزبي والتجذر الشعبي والنضال المجتمعي. وإذا كانت أحزاب المعارضة لم تعمل في تكتل موحد في جبهة واحدة بسبب اختلاف الرهانات بين مكوناتها، فإن ذلك يعود إلى عدة أسباب. من بينها أن بعض أحزاب المعارضة كانت تساند الحكومة أكثر من مساندة أحزاب الأغلبية لها، وعارضت الحكومة بشكل أشرس من أحزاب الأغلبية، طمعا في إشراكها في أي محطة من محطات التعديل الحكومي، أو على الأقل من أجل تلقي وعد بإشراكها في المراحل القادمة، كما صرح بذلك السيد أوجار باسم الحزب الذي يقود الحكومة، رغبة في منع اندفاع هذا الحزب المعارض نحو ممارسة معارضة أكبر للحكومة في المراحل المتبقية قبل الانتخابات.
لذلك، أنا على يقين أن أحزاب الحكومة ستشعر بخطر المنافسة الحقيقية من أحزاب المعارضة، التي قد تزيحها عن الصدارة. والخلاصة أن التطورات مفتوحة على كافة الاحتمالات، والشعب المغربي عوّدنا على المفاجآت.
الصحفي: ما دور القيادة الحزبية في تعزيز أو إضعاف أداء المعارضة؟
الهلالي: القيادات لها دور مهم في تقوية أو إضعاف أحزابها، سواء في الحكومة أو المعارضة. وبعض القيادات التي تعد نقطة قوة لبعض الأحزاب قد تشكل في الوقت ذاته مصدر ضعف لأحزاب أخرى.
فما يضعف المعارضة ليس القيادات فقط، بل أيضا “القياد” وبقية رجال السلطة، إلى جانب سماسرة الانتخابات وموزعي المال الحرام، وآليات التقطيع الانتخابي المفصلة على المقاس، واللوائح الانتخابية المغشوشة. كما يتضمن ذلك التضييق على الأحزاب، والتخويف منها، والضغط على مرشحيها بتسويق فكرة أن الدولة غير راضية عن هذه الأحزاب. هذه هي الأساليب التي تضعف المعارضة على مر التاريخ السياسي للمغرب. ويضاف إلى ذلك بطبيعة الحال الخلافات الداخلية والنزاعات بين التيارات المتصارعة داخل الأحزاب، التي يكون بعضها طبيعيا والبعض الآخر مختلقا أو مدفوعا، أو على الأقل مستثمرا فيه ومضخما إعلاميا ودعائيا.
المحور الثالث: التحديات الاجتماعية والاقتصادية.
الصحفي: كيف تؤثر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية على خيارات الناخبين في الانتخابات المقبلة؟
الهلالي: الأوضاع الاقتصادية لها تأثير واضح على الانتخابات. والسؤال هنا هو: هل ستتمكن الأنظمة السلطوية من تحريف اهتمامات الناس بعيدا عنها، وعن المعاناة التي تسببت بها من جراء الغلاء والبطالة المتفشية؟ وذلك من خلال خلق أجواء تشغل الناس عن معاناتهم وآلامهم، ودفعهم إلى الانخداع بوعود جديدة رغم يقينهم بأنها لن تتحقق، كما حدث مع وعود رئيس الحكومة الحالية، التي من المتوقع أن يحاسب عنها، وترتبط المسؤولية عنها بالمحاسبة السياسية والانتخابية، في انتظار المحاسبة القانونية والقضائية على ما ثبت من جرائم مثل تضارب المصالح، والتواطؤ على الأسعار، والتركيز الاقتصادي، وغيرها.
بطبيعة الحال، يمكن منع حدوث هذه التأثيرات عبر ما شهدته الولاية الانتخابية الحالية من سخاء في دعم بعض الفئات، مثل كبار الفلاحين والموردين للمواد الأساسية من قمح ولحوم وأغنام وأبقار وعلف ماشية ومنتجات زراعية. وهذا الدعم، مع الأسف، لا يمكن اعتباره سوى رشاوى انتخابية، طالما أن المستفيدين منه هم المحظوظون والموالون للنظام، ولم يتحقق الهدف منه وهو خفض الأسعار لتصبح في متناول الفئات الشعبية.
إن تأثير الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على الانتخابات يمكن أن يظهر أيضا في المدن، حيث يعبر المواطنون عن وعيهم السياسي ويعاقبون من يعتقدون أنه أخل بالواجب، محولين أصواتهم إلى تصويت نافع سواء لصالح من يرونه أهلا لذلك، أو ضد من يعتبرونه غير جدير بذلك. أما في الأرياف، فيمكن أن يتجاهل الناس كل همومهم بمجرد زيادة قيمة الصوت الانتخابي سواء ماليا أو عينيا، مما يجعل التنافس على الأصوات في العالم القروي يحتدم بين الأحزاب التي تدافع عن مصالح الشعب، والأحزاب التي تستغل هشاشة هذا الشعب وتتاجر في مآسيه.
الصحفي: هل يمكن للمعارضة استثمار قضايا مثل التضخم وارتفاع الأسعار لكسب ثقة الناخبين؟
الهلالي: لا تحتاج قضايا مثل الغلاء، وانهيار القدرة الشرائية للناس، والفساد، وعدم الوفاء بالوعود إلى من يستثمرها، لأنها تمس جيوب المواطنين مباشرة. فقد تسببت في إضافة الملايين إلى طابور الفقراء، وسلبت الدعم من الأرامل والأيتام تحت مسمى “الدعم المباشر”، كما قضت على الطبقة المتوسطة التي تعرضت لارتفاع الأسعار، في حين بقيت أجورها مجمدة إلا من الفتات.
لذلك، فإن ارتفاع الأسعار في العديد من التجارب الدولية أدى إلى إسقاط حكومات وتنصيب أخرى. والمغرب لن يكون استثناء في هذا المجال، والدليل على ذلك هو أن وسائل الإعلام الاجتماعية رفعت مطالب الرحيل في وجه الحكومة عدة مرات. ولكننا لا نعلم من الذي يوفر الحصانة لرئيس الحكومة في مواجهة الشعب، رغم الفشل والعجز وتضارب المصالح.
ولذلك، سيكون الغلاء وارتفاع الأسعار، والوعود الكاذبة، والفساد، واستخدام السياسيين لتجار المخدرات لتمويل الانتخابات، ملفات مركزية في الخطاب السياسي والدعاية الانتخابية. وستبقى أسباب سقوط حزبي “الأحرار” و”البام” موضوعا محلا للجدل، فهل كان بسبب الغلاء، أم الفساد والتورط في تجارة الممنوعات، أم العجز، أو بسبب افتضاح مسألة الكفاءات، أو زواج السلطة بالمال، أو احتكار الصفقات وتضارب المصالح؟.
الصحفي: برأيك ما مدى قدرة التحالف الحكومي على تقديم حلول ملموسة للأزمات الاقتصادية الحالية؟
الهلالي: ما لمسناه اليوم هو أن أحزاب الحكومة لا تجيد سوى صناعة الأزمات؛ فلا تخرج من واحدة حتى تدخل في أزمة أكبر منها. على سبيل المثال، لم تشف أزمة الأرباح الفاحشة لرئيس الحكومة حتى نشأت أزمة تضارب المصالح في صفقة تحلية المياه، ولم تنتهِ الزوبعة حول هذه الفضيحة حتى ظهرت فضيحة الانفراد بصفقة تزويد المكتب الوطني للكهرباء بالفيول.
أما وزير العدل، فتتراكم فضائحه نتيجة لتصريحاته وممارساته؛ بدءا من تزوير مباراة المحاماة، مرورا باتهام المغربيات في شرفهن، ثم محاولة تقنين الزنى باسم “العلاقات الرضائية”، وصولا إلى التسبب في ثورة المغاربة على مخرجات هيئة مراجعة مدونة الأسرة.
وبتقييم موضوعي، فإن ما عشناه بالأمس هو أن حلول الحكومة لا توجه لحل أزمات المغرب، بل لحل أزمات مكوناتها والتجمعات المصلحية التي تمثلها. ولذلك، نجد أنه أثناء حديث التقارير الدولية والوطنية عن زيادة الفقر واتساع دائرة الفقر، تزيد ثروات رئيس الحكومة، وتتوسع الطبقة المستفيدة من الصفقات العمومية، ومن الامتيازات الجبائية أو الدعم العمومي لمن يستفيد من أزمات المغرب ويتاجر بها. بينما ترتفع العائدات من صادرات المواد التي تحتكرها طبقة ريعية تدور في فلك أحزاب الحكومة، وتتفاقم أزمة المياه بسبب الاستنزاف الناتج عن زراعة هذه المنتجات. وفي الوقت الذي يعاني فيه البسطاء من غلاء الأسعار في الأدوية والمنتجات الغذائية، تزداد ثروات الوسطاء الذين لا هم إلا تجار منتخبين باسم أحزاب التحالف الحكومي. بينما يتقلص الاستثمار الأجنبي وتتعثر مصالحه، وتزداد الفرص للمستفيدين من عراقيل الاستثمار، وهذا بشهادة الخطاب الرسمي. بينما تتفاقم الأزمات الاقتصادية بشهادة مستويات النمو الضعيفة ونسب التضخم المرتفعة، إذ تتجه الحلول الكسولة نحو الحلول السهلة؛ مثل مضاعفة المديونية الخارجية، أو زيادة الضرائب، أو بيع الممتلكات العامة باسم التمويلات المبتكرة، أو تبييض الأموال باسم المصالحة الضريبية، وهكذا.
المحور الرابع: العزوف الانتخابي.
الصحفي: ما هي مخاطر ظاهرة العزوف الانتخابي على العملية الديمقراطية في المغرب؟
الهلالي: لم يعد العزوف الانتخابي مجرد ظاهرة طبيعية ناتجة عن موقف سياسي أو عن خيبة أمل شعبية بسبب افتقاد الأمل وتدني مصداقية العملية السياسية فحسب، بل أصبح العزوف صناعة متقنة تهدف إلى تقليص القاعدة الانتخابية، خاصة في المجالات الحصرية التي لا يمكن بيعها أو شراؤها. ذلك بعد أن تبين أن انخفاض نسب المشاركة يصب في صالح “البورصة الانتخابية” وفي مصلحة “شناقة الانتخابات”. وهكذا، أصبح العزوف المصنوع جزءا من التحكم السلطوي القبلي في الانتخابات، لتصعيد من تريده السلطة وتنزيل من لا ترضى عنه، خصوصا في ظل الثورة الرقمية وصناعة الأمزجة الانتخابية وغير الانتخابية، اعتمادا على الخوارزميات وعلى قواعد الفيزياء والرياضيات، وهو أمر لا يمكن لأي جهة أن تتفوق فيه على الجهة التي تستخدم إمكانيات وأدوات الدولة لصالحها.
الصحفي: إذا كيف يمكن تعزيز ثقة المواطنين في العملية الانتخابية وتقليل معدلات العزوف؟
الهلالي: عندما تكون الدولة جادة، فإنها تقوم بمبادرة استباقية قبل كل محطة انتخابية، عبر حزمة من التدابير التي تهدف إلى استعادة الثقة والمصداقية في السياسة والعملية الانتخابية. ومن بين هذه التدابير، الانفراج السياسي وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية آرائهم وقناعاتهم السياسية أو الفكرية، والكف عن التضييق على الحريات أو متابعة الصحفيين بسبب قيامهم بمهامهم وفقا للقانون الجنائي. كما يجب منع الفاسدين من التأثير على سير العمليات الانتخابية، ومعاقبتهم على أعمال الفساد الانتخابي، ومنع استخدام المال الحرام. ويجب أيضا إرساء آليات قانونية لوقف المتورطين في هذه الجرائم، خاصة من خلال تسخير التكنولوجيا المتطورة لملاحقة الجرائم الانتخابية، وعدم التصديق على أي نتائج تشوبها شبهات فساد جدية، وتسريع الحكم فيها خلال أسابيع.
وبدون مثل هذه الإجراءات، يصبح من الصعب استعادة الثقة بعد ما حدث ويحدث، وبعد ما شاهده المغاربة من احتجاز عدد من البرلمانيين، ومتابعة العشرات من المنتخبين بتهم الفساد. فقد تجاوز عدد البرلمانيين المعتقلين 30 شخصا، بالإضافة إلى العشرات من رؤساء الجماعات الترابية الذين إما في السجن أو قيد المحاكمة.
الصحفي: ما هي استراتيجيات الأحزاب لمواجهة مشاعر الإحباط السياسي لدى المواطنين؟
الهلالي: كل استراتيجية لمواجهة الإحباط، وخاصة المصنوع منه، ينبغي أن تركز على تعميق الوعي السياسي والتأطير الحزبي والسياسي للمواطنين. ويعتمد ذلك على وقف مسلسل التبخيس الممنهج للأحزاب، ومصادرة إرادتها واستقلاليتها، وترويج خطاب مضلل يفيد بأن الأحزاب “بحال بحال” وأنها جميعها فاسدة. ولا يتم ذلك إلا بهدف إبعاد المواطنين عن السياسة والسياسيين، وترسيخ ثقافة ربط السياسة بالمصلحة الشخصية والغنيمة. وفي النهاية، يظل الفساد والإفساد هو السائد، مما يؤدي إلى تأجيل الاستحقاق الديمقراطي في بلادنا إلى أجل غير مسمى. كما يؤجل التلازم المفترض بين الديمقراطية والتنمية، مما يبقي بلادنا في مصاف الاقتصاديات المتخلفة رغم الفرص الضائعة والإمكانات غير المستغلة.
المحور الخامس: المستقبل السياسي.
الصحفي: برأيك، ما هي الأولويات التي يجب أن تركز عليها الأحزاب السياسية في المرحلة المقبلة؟
الهلالي: الأولوية دائما هي للتمكين الديمقراطي في الوعي الشعبي والممارسة السياسية، ولكل مستلزمات ذلك، من تحرير إرادة المواطن من الخوف والطمع، ومن التآمر على نفسه من خلال القابلية للفساد وتقبل الرشوة ضد مصلحته الشخصية والمصلحة العامة التي تتمثل في فرص التنمية، والسماح بتولي النزهاء الأكفاء لتدبير الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بما يعود بالنفع العاجل والآجل على البلاد والعباد.
كما أن الأولوية أيضا هي للحلول الناجعة التي تكفل توقف الغلاء، وتوفير فرص العمل، وتحسين التعليم، وضمان الحق في الصحة لكل مريض، والسكن لكل أسرة من دون ترقيع أو حلول وهمية.
الصحفي: كيف يمكن تحسين أداء الأحزاب السياسية من حيث البرامج والقيادة والتواصل مع المواطنين؟
الهلالي: عندما ترفع اليد عن الأحزاب وتشعر بأنها مستقلة وحرة ولديها الإمكانيات الكافية على أسس شفافة ومنصفة، ستتمكن من استقطاب الكفاءات ورفع أدائها في تكوين الكوادر والنخب، وبالتالي سيكون مستواها مطابقا لمستوى الكفاءات في المجالات الأخرى. وذلك لأن الأحزاب جزء من الدولة وليست عدوا لها، وما تنتجه من نخب يستفيد منه الوطن. لذلك، فإن أول المطالب في هذا السياق هو إخراج تدبير الشأن الحزبي من تحت إشراف وزارة الداخلية، وربطه بهيئة مستقلة تتعامل مع الأحزاب على قدم المساواة، مع الحفاظ على مسافة واحدة بينها بغض النظر عن موقعها في الحكم أو المعارضة. ومن مهام هذه الهيئة رعاية التنافس السياسي الذي يفرز أفضل الكفاءات لتدبير شؤون المواطنين، ودعم الأحزاب الأكثر استعدادا لتحمل المسؤولية، وإرجاع الأحزاب التي نفدت طاقتها إلى مواقع المعارضة لإعداد نفسها من جديد، وإيجاد قواعد سليمة للتداول الديمقراطي على السلطة.
الصحفي: في نظرك أين تكمن أهمية الانتخابات التشريعية لعام 2026 في تعزيز الديمقراطية بالمغرب؟
الهلالي: الديمقراطية لا تقتصر على محطة انتخابية، بل هي عملية شاملة، حيث تمثل الانتخابات فرصة لإثبات مدى رسوخها أو الكشف عن هشاشتها.
فإن مستوى مساهمة الانتخابات المقبلة في عودة الديمقراطية يعتمد على الدروس التي قد تكون الدولة قد استفادت منها من عملية تنظيم انتخابات الثامن من شتنبر 2021، وكذلك على الربح والخسارة في حسابات البلاد الكبرى في عملية التدخل السافر في العملية الانتخابية.
والسؤال هنا هو: ماذا ربحت البلاد من إدخال أشخاص ليس لديهم أي قدرة على التدبير السياسي للمغرب والمغاربة؟ وهل استمرارهم في الحكم سيرفع من الكلفة الاقتصادية والاجتماعية التي ستدفعها البلاد؟ وهل سيزيد من المخاطر المحدقة بها، أم أنه قابل للتحكم فيه وتحمله؟
في تقديري، ما يحدث في العالم، خاصة بعد أحداث الأقصى وارتداداته، وما أظهره المغاربة من وعي، وهم يطالبون رئيس الحكومة بالرحيل مرتين متتاليتين، وانتفاضتهم ضد الكثير من قراراته وممارساته، ومنها مشروعه، وآخرها طريقة تقديم حكومته لمخرجات مراجعة مدونة الأسرة، وسقوطهم في امتحان التكليف الملكي بالتواصل حولها مع المواطنين، فضائح تتعلق بتضارب المصالح واستيلائه على 17 مليار درهم من الأرباح غير الأخلاقية، واحتكاره للصفقات الكبرى وحده؛ كل ذلك سيؤدي بالتأكيد إلى استنتاج أساسي مفاده أنه لم يعد هناك مجال للمقامرة باستقرار المغرب، وبما راكمه من مكتسبات على مدى عقود، كان خلالها يعد استثناء في الديمقراطية في محيطه الإقليمي والجهوي. ولذلك، يمكن استنادا إلى هذه الاعتبارات أن نؤكد أنه من الصعب تكرار ما حدث في انتخابات 2021 في انتخابات 2026، والله أعلم في الأول والآخر.
الصحفية فاطمة الزهراء الجلاد.