سياسة
Le7tv.ma Send an email منذ أسبوعين
الشراكة الإفريقية-الصينية: بين الفرص والمخاطر والمغرب كنموذج متوازن

تشهد إفريقيا تحولات اقتصادية كبرى في سعيها إلى تجاوز إرث الاستعمار القديم وإعادة تموضعها على الخريطة الاقتصادية العالمية. وفي هذا الإطار، برزت الصين كشريك استراتيجي رئيسي للقارة، حيث ضخت استثمارات ضخمة في مجالات البنية التحتية، ونقل التكنولوجيا، وتعزيز الإنتاج الصناعي. ورغم الفرص الواعدة التي توفرها هذه الشراكة، تثير طبيعتها غير المتوازنة في بعض الدول تساؤلات حول مدى استدامتها وإمكانية تحولها إلى شكل جديد من التبعية الاقتصادية.
فرص التعاون الإفريقي-الصيني
منذ مطلع الألفية الجديدة، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الصين وإفريقيا ليصل إلى أكثر من 300 مليار دولار سنويا، متجاوزا بذلك الشراكات التقليدية مع أوروبا والولايات المتحدة. وقد انعكست هذه الشراكة إيجابيا على القارة، حيث ساهمت في تطوير البنية التحتية عبر مشاريع ضخمة مثل شبكة السكك الحديدية في كينيا وميناء لامو، وهو جزء من مبادرة “الحزام والطريق”.
كما أتاحت الاستثمارات الصينية فرصة غير مسبوقة لنقل التكنولوجيا، ما عزز القدرات الإنتاجية في قطاعات التصنيع والطاقة المتجددة، وأسهم في خلق فرص عمل جديدة للقوى العاملة الإفريقية. إضافة إلى ذلك، دعمت الصين مشاريع التكامل الإقليمي التي تعزز التجارة البينية الإفريقية، وهي خطوة أساسية لتحقيق أهداف منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية.
المخاطر والتحديات
ورغم هذه الفرص، فإن التعاون الإفريقي-الصيني يواجه تحديات كبيرة، أبرزها ارتفاع الديون، حيث تمثل القروض الصينية نحو 20% من إجمالي ديون إفريقيا، بقيمة تجاوزت 696 مليار دولار منذ عام 2000. ورغم الشروط “المرنة” لهذه القروض، إلا أن بعض الدول الإفريقية تجد نفسها عاجزة عن سدادها، مما قد يؤدي إلى فقدان سيادتها الاقتصادية لصالح بكين.
كذلك، يثار جدل حول مدى استفادة الدول الإفريقية من نقل التكنولوجيا، إذ تعتمد الشركات الصينية العاملة في القارة على عمالة صينية بدل تأهيل الكفاءات المحلية. ويضاف إلى ذلك غياب الشفافية في العديد من الاتفاقيات، ما يثير تساؤلات حول مدى التزام الصين بتعزيز التنمية المستدامة بدلاً من مجرد استغلال الموارد الطبيعية الإفريقية.
دروس من تجارب إفريقية: كينيا، إثيوبيا، وأنغولا
تتنوع تجارب الدول الإفريقية مع الصين بين النجاحات والتحديات. في كينيا، أثار مشروع السكك الحديدية الرابط بين نيروبي ومومباسا جدلا واسعا بسبب التكلفة العالية التي زادت من الأعباء المالية على الحكومة. أما إثيوبيا، فقد استفادت من الاستثمارات الصينية في تطوير المناطق الصناعية وشبكات النقل، إلا أن تراكم الديون يهدد استقرارها الاقتصادي على المدى الطويل. وفي أنغولا، ساعدت القروض الصينية على إعادة بناء البنية التحتية بعد الحرب الأهلية، لكنها جعلت الاقتصاد معتمدا بشكل مفرط على صادرات النفط، مما عرضه لتقلبات الأسعار العالمية.
المغرب نموذجا: شراكة متوازنة ومستدامة
على عكس العديد من الدول الإفريقية التي تعاني من عدم توازن الشراكة مع الصين، يُعد المغرب نموذجا ناجحا في إدارة علاقاته الاقتصادية مع بكين، حيث حافظ على توازن واضح بين جذب الاستثمارات الصينية والحفاظ على استقلالية قراره الاقتصادي.
بلغ حجم التبادل التجاري بين المغرب والصين أكثر من 6 مليارات دولار في عام 2023، مع توجه استثمارات صينية كبيرة نحو قطاعات التصنيع والتكنولوجيا المتقدمة. ومن أبرز المشاريع المشتركة مدينة “طنجة تيك”، التي تهدف إلى إنشاء منطقة صناعية بتقنيات متطورة، بالإضافة إلى استثمارات ضخمة في مجالات الطاقة المتجددة مثل مشروع “نور ورزازات”، والتعاون في قطاع السكك الحديدية عبر تنفيذ مشاريع القطارات فائقة السرعة.
ما يميز الشراكة المغربية-الصينية هو اعتماد المغرب على استراتيجية تنويع الشركاء، حيث يحتفظ بعلاقات قوية مع أوروبا، الولايات المتحدة، ودول الخليج، مما يجعله أقل عرضة للوقوع في فخ التبعية. إضافة إلى ذلك، يفرض المغرب شروطا واضحة في الاتفاقيات لضمان نقل التكنولوجيا وتأهيل الكفاءات المحلية، مما يعزز من استفادته الفعلية من الاستثمارات الصينية.
نحو نموذج جديد للتعاون الإفريقي-الصيني
لتحقيق شراكة مستدامة مع الصين، تحتاج الدول الإفريقية إلى تبني استراتيجيات جديدة تقوم على:
– تعزيز الشفافية في الاتفاقيات لضمان أن تكون الاستثمارات في مصلحة الشعوب الإفريقية.
– التركيز على نقل التكنولوجيا وبناء القدرات المحلية بدلا من الاعتماد على الشركات الصينية فقط.
– تنويع الشراكات الاقتصادية لتقليل الاعتماد المفرط على الصين.
– تعزيز التكامل الإقليمي عبر تطوير مشاريع بنية تحتية تخدم أكثر من دولة.
– إدارة الديون بحكمة لضمان عدم الوقوع في فخ التبعية المالية.
تشكل الشراكة الإفريقية-الصينية فرصة حقيقية للقارة لإعادة هيكلة اقتصادها وتحقيق التنمية المستدامة، لكنها تحمل في طياتها مخاطر تتطلب إدارة واعية لتجنب الوقوع في التبعية الاقتصادية. وبينما تتباين تجارب الدول الإفريقية في هذا المجال، يبرز المغرب كنموذج ناجح يحتذى به، حيث استطاع تحقيق التوازن بين الاستفادة من الاستثمارات الصينية وتعزيز استقلالية قراره الاقتصادي.
إن نجاح إفريقيا في علاقتها مع الصين سيعتمد على قدرتها على فرض شروط عادلة في هذه الشراكة، واستغلال الاستثمارات الخارجية كوسيلة لبناء اقتصاد قوي ومستدام يخدم مصالح القارة وشعوبها على المدى البعيد.
فاطمة الزهراء الجلاد