مجتمع
عملية حد السوالم.. الشعب والأمن يد واحدة

في إطار التزامها الثابت بالتصدي لمخاطر الإرهاب والتطرف العابرين للدول، والمنطلقين من إيديولوجيا التوحش، تمكنت المصالح الأمنية المغربية، في عملية استباقية بمنطقة حد السوالم، من توقيف أربعة متطرفين يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم إرهابي خطير. يؤكده مبايعتهم لأمراء الدم في تنظيم داعش، وهو ما تمكنت عناصر المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني من معاينته من خلال شريط فيديو يوثق لهذه البيعة غير الشرعية، وتأتي هذه العملية كحلقة جديدة في سلسلة من النجاحات التي تؤكد اليقظة والجاهزية العالية للأجهزة الأمنية المغربية في مواجهة التحديات الإرهابية التي تهدد الأمن الوطني والإقليمي، والتي تعتمد مقاربة استبقاية، وتدخلات متعددة الأبعاد والاتجاهات: الوقائية/الاستباقية/ التحييدية/ الردعية/ الضبطية/ التوعوية،،،،
تندرج هذه العملية في سياق الجهود المغربية الرامية إلى الحفاظ على استقرار البلاد وأمن مواطنيها. ومنذ سنوات، تعتمد بلادنا استراتيجية متعددة الأبعاد لمحاربة الإرهاب تقوم على العمل الاستباقي، والتنسيق بين مختلف الأجهزة الأمنية، وهو ما يتأكد في العملية الأخيرة من خلال مشاركة الدرك الملكي إلى جانب مختلف فرق المديرية العامة للأمن الوطني، والتعاون مع الشركاء الدوليين، وهو ما أكده التقرير الأخير للخارجية الأمريكية حول مساهمة المغرب الاستثنائية والحاسمة في مجهودات مكافحة الإرهاب قاريا وإقليميا ودوليا، وقد نوهت وسائل الإعلام الإسبانية خلال الأسبوع المنصرم بالمعلومات القيمة التي قدمتها المديرية العامة للمحافظة على التراب الوطني للمصالح الاستخبارية الإسبانية، وهو ما مكن من توقيف عنصرين مشتبه فيهما من العائدين من سوريا، أحدهما بمنطقة فالنسيا، والثاني بمعبر طاراخال عند حدود سبتة المحتلة.
تفكيك هذه الخلية الإرهابية في حد السوالم جاء في وقت حرج يشهد فيه العالم تصاعدًا للتهديدات الإرهابية، خاصة في المناطق التي تعاني من هشاشة أمنية. ومع أن المغرب يعتبر من الدول الآمنة بفضل استراتيجياته الوقائية، إلا أن الأجهزة الأمنية لا تتوانى عن تكثيف جهودها للتصدي لأي تهديد محتمل، لوعيها بأن المساهمة النوعية لبلادنا في تطويق الظاهرة الإرهابية، وتعاونه مع العديد من الأجهزة الاستخبارية للدول الصديقة في إفشال المخططات الرامية إلى استهداف المدنيين ونشر الفوضى، سيجعل وطننا بالضرورة هدفا محتملا للتنظيمات الإرهابية الساعية للانتقام من المجهودات المغربية في مكافحة الإرهاب، والتي تنخرط فيها مؤسسات متعددة بنوع من الانسجام الفعال:
المؤسسات الأمنية والعسكرية، المؤسسة الدينية، مديرية السجون وإعادة الإدماج، المصالح الدبلوماسية، الداخلية، مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بل وحتى تنظيمات المجتمع المدني والتعبيرات الحزبية والحقوقية، إذ إن محاصرة الإرهاب الإسلاموي هو عنصر من عناصر الإجماع الوطني.
أسفرت العملية الأخيرة عن توقيف أربعة أفراد يشتبه في تورطهم في أنشطة إرهابية، مع ضبط معدات وأدوات تشير إلى نواياهم الخطيرة. ووفقًا لبيان صادر عن المديرية العامة للأمن الوطني، كان المشتبه بهم يخططون لتنفيذ عمليات تستهدف مواقع حيوية، ما يؤكد خطورة التهديد الذي تم إحباطه.
هذه العملية لا تمثل فقط نجاحًا أمنيًا بل أيضًا رسالة قوية بأن المغرب ملتزم بتطبيق استراتيجية صارمة للتصدي للإرهاب. ومن خلال العمل الاستباقي، استطاعت الأجهزة الأمنية إجهاض مخططات كانت ستُحدث أضرارًا جسيمة على المستويين البشري والمادي.
ومن هنا ذلك الالتفاف الشعبي حول المؤسسات التي تؤمن الاستقرار وتحميه، وهو ما تجلى مرة أخرى بوضوح في تفاعل المواطنات والمواطنين مع التدخل الأخير، خصوصا في منطقة حد السوالم، والأكثر من ذلك هو الانضباط والتعاون بين المواطنين ومختلف التشكيلات الأمنية التي كانت حاضرة، وهو ما أمن تدخلا سلسا، لم يشبه أي انفلات من شأنه أن يشكل خطرا على السلامة الجسدية للسكان، وخصوصا السكان المقيمين في الإقامتين اللتين شهدنا التدخل وضبط الإرهابيين.
ولذلك أمكن القول إن الأمن الوطني هو أمن مواطناتي كذلك، بحيث نجح في جعل مسؤولية المحافظة على الأمن والاستقرار مسؤولية مشتركة بين الأجهزة الأمنية والمجتمع.
لا تخلو النجاحات المغربية في مكافحة الإرهاب من محاولات تشكيك في مصداقية وفعالية الأجهزة الأمنية. ومع ذلك، تأتي هذه العمليات لتثبت عكس ذلك، حيث تظهر كفاءة استخباراتية عالية ومستوى متقدمًا من التنسيق بين مختلف المصالح الأمنية.
التشكيك في القدرات المغربية غالبًا ما يكون صادرًا عن أطراف لا تعي حجم التحديات الأمنية أو تسعى لتقويض الجهود الوطنية لدوافع سياسية. إلا أن الواقع يدحض هذه الادعاءات؛ فالمغرب يعتبر اليوم نموذجًا يحتذى به في مكافحة الإرهاب بفضل مقاربته التي تجمع بين البعد الأمني والوقاية الفكرية من خلال إشراك المؤسسات الدينية والاجتماعية.
ومصداقية هذه التدخلات تتأكد كل مرة، حين يتم تقديم المشتبه بهم أمام القضاء، وفي محاكمات علنية، بحيث تتأكد مصداقية رواية الأجهزة الأمنية، بل أحيانا تكشف التحقيقات التي تلي التدخلات وإلقاء القبض على المشتبه فيهم عن وقائع أشد خطورة مما تم الإعلان عنه قبلا.
إن انخراط المغرب في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب يتجلى في تعاونه الوثيق مع الشركاء الدوليين، خاصة في أوروبا وإفريقيا. ويُعد المغرب شريكًا محوريًا في تبادل المعلومات الاستخباراتية وتنسيق العمليات المشتركة.
كما أن اعتماد المغرب على استراتيجية شاملة تشمل الجانب الأمني، والتنمية الاقتصادية، وإعادة تأهيل المتطرفين فكريًا يساهم في الحد من أسباب التطرف، مما يعزز دوره كفاعل أساس في محاربة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي.
إن العملية الاستباقية التي شهدتها منطقة حد السوالم تمثل إنجازًا جديدًا في مسار المغرب الطويل لمكافحة الإرهاب. وتعكس هذه العملية نجاح الاستراتيجية الأمنية المغربية التي تعتمد على اليقظة، والتنسيق، والجدية والاحترافية.
ففي كل تفكيك للخلايا، تكون المناسبة لاطلاع المغاربة على درجة احترافية الأمن الوطني، لا من حيث المعدات اللوجستية المتطورة، ولا من حيث احترافية ومهارة كافة التشكيلات الأمنية المتدخلة، مما يعني أن التحديث الذي طال المؤسسة الأمنية على عهد السيد عبد اللطيف حموشي، جعل المغرب يتوفر على منظومة أمنية متطورة تضاهي وأحيانا تتفوق حتى على مثيلاتها في الدول المتقدمة.