سياسة
Le7tv.ma Send an email 06/02/2025
التلاعب السياسي والإعلامي: كيف يحول ترامب ونتنياهو المستحيل إلى حقيقة قابلة للنقاش ؟

في السياسة، ليست كل التصريحات تعكس نوايا حقيقية، بل إن بعضها يستخدم كأداة لإعادة تشكيل الوعي الجماعي ودفع الخصوم إلى مواقع دفاعية بدلا من الهجوم. هذا ما أكدته الصحفية الفلسطينية منى حوا، في تدوينة لها، والتي أوضحت فيها أن ما يقوم به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس مجرد تصريحات عبثية، بل هو تلاعب استراتيجي محسوب يهدف إلى تحويل المستحيل إلى سيناريو قابل للنقاش.
ومن خلال تحليلها، أوضحت حوا أن هذه الاستراتيجية تستند إلى ثلاث نظريات إعلامية وسياسية خطيرة، يتم استخدامها بذكاء لإعادة توجيه الرأي العام وتضليل الخصوم.
أولا: نظرية الدخان والمرايا – تحويل الوهم إلى واقع إعلامي
أكدت منى حوا أن أحد الأساليب التي يعتمدها ترامب ونتنياهو هي نظرية الدخان والمرايا (Smoke and Mirrors)، والتي تهدف إلى خلق ضجة إعلامية هائلة حول قضايا غير واقعية، بهدف تشتيت الانتباه وإجبار الجميع على مناقشتها كأنها خيارات قابلة للتنفيذ.
وأوضحت أن هذه الاستراتيجية تستخدم بشكل خاص في قضية تهجير الفلسطينيين، حيث يتم تكرار الحديث عن التهجير بشكل مكثف رغم استحالته، ليس لأن هناك نية حقيقية لتنفيذه، بل لجعل الجميع يتعامل معه كخيار “مطروح” بدلا من رفضه فورا.
كما أشارت إلى أن هذا الأسلوب يخدم إسرائيل من خلال تحويل النقاش عن فشلها العسكري في غزة إلى نقاش حول “أين سيذهب الفلسطينيون؟”، وكأن رحيلهم أصبح حتميا، والخلاف فقط على الوجهة. بالإضافة إلى ذلك، فإن تكرار الطرح يجبر الدول العربية المستهدفة، مثل مصر والأردن ودول الخليج، على إصدار بيانات نفي، مما يجعلها في موقع دفاعي ويمنح الفكرة زخما إعلاميا زائفا.
ثانيا: نظرية إغراق الساحة – السيطرة عبر الفوضى الإعلامية
أكدت الصحفية الفلسطينية، أن نتنياهو وترامب لا يكتفيان بخلق قضايا زائفة، بل يستخدمان أيضا استراتيجية إغراق الساحة بالمعلومات المتضاربة (Flood the Zone) لإرباك الإعلام وإشغال المعارضين بوابل من التصريحات غير الواقعية.
وأوضحت حوا أن ترامب، على سبيل المثال، كان يطلق بشكل متكرر وعودا ضخمة مثل بناء الجدران، فرض العقوبات، أو تهجير شعوب، رغم علمه بعدم إمكانية تنفيذها، لكنه كان يجبر الجميع على التفاعل معها.
أما نتنياهو، الذي يواجه أزمة سياسية بسبب فشل الحرب على غزة، فإنه يعتمد على إطلاق تهديدات متكررة وكبيرة، ليس لأنه قادر على تنفيذها، بل لإبقاء الجميع في حالة رد فعل مستمر، بدلا من التركيز على إخفاقاته العسكرية والسياسية.
أشارت منى حوا إلى أن النتيجة الحتمية لهذه الفوضى الإعلامية هي أن الإعلام ينشغل بملاحقة التصريحات الجديدة، بينما يتم التعتيم على الحقيقة الأساسية: فشل إسرائيل عسكريا، ومراوغة ترامب إعلاميا.
ثالثا: نظرية صناعة القبول – التكرار يصنع الاعتياد
أوضحت منى حوا أن أخطر تكتيك يتم استخدامه هو “التكرار الإعلامي”، أو ما يعرف بصناعة القبول (Manufacturing Consent)، حيث يتم طرح فكرة مستفزة بشكل متكرر حتى تصبح مألوفة لدى الجمهور، مما يقلل من حساسيتها ويجعلها مقبولة بشكل غير مباشر.
وأكدت أن هذه الاستراتيجية تستخدم اليوم لجعل تهجير الفلسطينيين يبدو وكأنه إحدى “الخيارات الممكنة”، رغم أنه جريمة حرب مستحيلة التنفيذ. فمن خلال التصريحات المتكررة، والتسريبات الإعلامية، والتحليلات السياسية، والتهديدات المباشرة، يتم دفع الجمهور للتفكير في “كيف سيتم التهجير؟” بدلا من رفض الفكرة كليا.
كما أشارت إلى أن هذا الأسلوب ليس جديدا، بل تم استخدامه سابقا في غزو العراق، حيث تحولت كذبة أسلحة الدمار الشامل من مجرد ادعاء إعلامي إلى ذريعة للحرب، فقط لأن الفكرة تكررت باستمرار حتى أصبحت تبدو وكأنها واقع.
كيف نواجه هذا التلاعب؟
أوضحت منى حوا أن الخطر الحقيقي لا يكمن في قدرة ترامب ونتنياهو على تنفيذ مخططاتهم، بل في قدرتهم على جعل الناس يتعاملون معها كأمر ممكن.
لذلك، أكدت على ضرورة التصدي لهذا التلاعب من خلال:
– رفض الفكرة بالكامل، وعدم الانجرار لمناقشتها وكأنها خيار قابل للتفاوض.
– عدم السماح للإعلام المتواطئ بإعادة إنتاج السرديات المضللة التي تشرعن الجرائم.
– التركيز على القضايا الأساسية، مثل فشل الاحتلال الإسرائيلي عسكريا، بدلا من الانشغال بردود الفعل على التهديدات الفارغة.
– كشف استراتيجيات التضليل الإعلامي وفضح استخدامها لصناعة واقع زائف.
واختتمت حوا تحليلاتها بالتأكيد على أن الوعي هو السلاح الأقوى في مواجهة التضليل السياسي والإعلامي، فالمعركة ليست فقط على الأرض، بل أيضا على مستوى تشكيل الوعي الجماعي.
فاطمة الزهراء الجلاد.