سياسة
Le7tv.ma Send an email 11/02/2025
بلكبير: الرأسمالية لا تترك شيئا دون أن تحوله إلى سلعة قابلة للعرض والطلب حتى المبادئ والقيم

في عالم تحكمه المصالح وتسوده قوانين السوق، لم تعد القيم والمبادئ بمعزل عن منطق الربح والخسارة، بل أصبحت سلعة تباع وتشترى وفقا لمعادلات اقتصادية بحتة. في هذا السياق، يرى المحلل السياسي عبد الصمد بلكبير أن الرأسمالية، باعتبارها نظاما اقتصاديا واجتماعيا، لا تكتفي بالسيطرة على الأسواق المالية والموارد الطبيعية، بل تمتد هيمنتها إلى كل مناحي الحياة، حيث تخضع السياسة، والدين، والثقافة، وحتى قضايا حقوق الإنسان، لمنطق العرض والطلب. فكل ما يقع في يد الرأسماليين يتحول إلى فرصة للاستثمار، دون أي اعتبار للقيم الأخلاقية أو الإنسانية.
هذا الطرح يثير تساؤلات جوهرية حول مدى تغلغل الرأسمالية في تشكيل وعي المجتمعات، وكيفية استغلالها للقضايا الكبرى، لا بهدف إيجاد حلول حقيقية، بل لتحقيق مكاسب مادية وسياسية. فإلى أي مدى يمكن القول إننا نعيش في عالم تحكمه المصالح وحدها؟ وهل لا تزال هناك قضايا إنسانية تناقش بمعزل عن منطق السوق؟
الرأسمالية والمتاجرة بكل شيء: بين الواقع والتضليل
في تحليله للمشهد السياسي والاقتصادي، يرى بلكبير أن الرأسماليين، وخاصة البورجوازيين منهم، يقدسون مصالحهم إلى حد يفوق كل شيء، حيث يصبح المال ورأس المال بمثابة قبلتهم التي يتوجهون إليها في كل قراراتهم وخطواتهم. فبمجرد أن يوجهوا أنظارهم إلى أمر ما، أو يضعوا أيديهم عليه، يتحول فورا إلى سلعة قابلة للعرض والطلب، والبيع والشراء، والمساومة والمقايضة.
هذه العقلية لا تقتصر فقط على المجالات الاقتصادية أو السياسية، بل تمتد إلى كافة جوانب الحياة، بدءا من الشأن الإداري والحزبي، مرورا بالدين والتدين، ووصولا إلى قضايا أكثر حساسية وأهمية مثل حقوق الإنسان، والمسألة النسائية، والثقافة والفلكلور، والفنون والآداب، بل وحتى الصحافة التي يزعم البعض استقلاليتها، فضلا عن هيئات المجتمع المدني والتقليدي على حد سواء.
ويؤكد المحلل أن المتاجرة لا تقتصر فقط على الدين والسياسة كما يتم الترويج لذلك في بعض الخطابات الإعلامية، بل تشمل مجالات متعددة تتجاوزهما، مما يتطلب وعيا حقيقيا من قبل الشعوب لعدم الوقوع في فخ التضليل. فالرأسمالية، بطبيعتها، لا تتردد في استغلال أي قضية وتحويلها إلى فرصة ربحية، مما يجعل من الضروري طرح تساؤلات جادة حول مدى استقلالية الخطابات التي ترفع شعارات الحقوق والحرية، ومدى ارتباطها بمصالح الرأسماليين.
إن الوعي بهذه الحقيقة هو الخطوة الأولى نحو تفكيك هذا النمط من الاستغلال، وإعادة الاعتبار للقضايا التي تمس جوهر الإنسان بعيدا عن حسابات الربح والخسارة. فالمجتمعات بحاجة إلى إعادة تقييم علاقتها بالقيم والمبادئ، والسعي نحو تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية والاعتبارات الأخلاقية، حتى لا تصبح القضايا العادلة مجرد أدوات في يد من يملكون المال والسلطة.
فهل نحن أمام نظام اقتصادي يستغل كل شيء لصالحه؟ أم أن هناك هامشا يمكن أن يستثمر في خدمة القضايا الحقيقية بعيدا عن منطق السوق؟ سؤال يبقى مفتوحا في ظل استمرار هذه المعادلة غير العادلة.
فاطمة الزهراء الجلاد.