مجتمع

“السردين.. سمكة الفقراء التي أشعلت نيران المضاربة!”

قبل سنوات، كان المغاربة ينظرون إلى السردين كغذاء الفقراء، تلك السمكة الصغيرة التي تغزو الأسواق كل صباح بأسعار في المتناول. لكن اليوم، أصبح السردين حديث الشارع، ليس بسبب جودته أو فوائده الغذائية، بل بسبب ارتفاع أسعاره بشكل غير مسبوق، مما فتح الباب أمام تساؤلات حارقة حول من يتحكم فعليًا في سوق السمك؟ ولماذا تحوّل السردين من “أرخص وجبة” إلى “حلم بعيد المنال” للكثير من الأسر المغربية؟

في موانئ المغرب، ينطلق السردين في رحلة معقدة تبدأ بالصيد وتنتهي عند موائد المستهلكين. لكن بين الشباك والأسواق، هناك سلسلة طويلة من الوسطاء، كل واحد منهم يضيف درهمًا أو درهمين إلى السعر، لتتضخم الفاتورة النهائية بشكل صادم.

يؤكد بعض البحارة أن سعر السردين عند خروجه من البحر لا يتجاوز 3 إلى 5 دراهم للكيلوغرام، لكن في الأسواق، قد يصل إلى 20 درهمًا أو أكثر، حسب المنطقة والطلب. أين يذهب هذا الفرق الكبير؟ الجواب عند “الشناقة” و”السماسرة”، وهم الحلقة الوسطى التي تتحكم في السوق، وفق قاعدة العرض والطلب، لكن أيضًا وفق حسابات أخرى أكثر تعقيدًا.

في أسواق الجملة، هناك عالم آخر لا يعرفه المواطن العادي. مجموعة من الوسطاء، يتحكمون في تدفق البضائع، ويحددون الأسعار وفق مصالحهم. في بعض الأيام، يتم افتعال الندرة، حيث يتم تخزين كميات كبيرة من السمك لخلق طلب مرتفع، ما يؤدي إلى رفع الأسعار.

أحد الباعة بسوق الجملة في الدار البيضاء قال لنا بصراحة: “السوق فيه مافيا غير معلنة، اللي ما كيتعاملش مع الناس ديال السمسرة ما كيدخلش السلعة، وهنا كيولي الاحتكار هو اللي كيتحكم.”

في النهاية، المواطن هو الخاسر الأكبر. فمع ارتفاع الأسعار، تراجعت القدرة الشرائية للكثير من العائلات، وأصبح اقتناء السردين قرارًا يحتاج إلى مراجعة الميزانية.

سيدة في سوق شعبي بالدار البيضاء عبرت عن غضبها قائلة: “كنا كنشريو السردين بلا حساب، دابا ولا بحال اللحم، كنشريو غير شوية ونقسموه على الدار.”

المطلوب اليوم ليس فقط ضبط الأسعار، بل أيضًا إعادة النظر في منظومة تسويق السمك. فبدون رقابة صارمة على المضاربة، سيظل السردين وغيره من المنتجات الغذائية رهينة لجشع الوسطاء. وزارة الصيد البحري مطالبة بإيجاد حلول عملية، سواء عبر ضبط هوامش الربح، أو تمكين الصيادين من بيع منتوجاتهم مباشرة للمستهلك، دون الحاجة إلى جيش من السماسرة.

حتى يحدث ذلك، سيظل المغاربة يتساءلون: هل صار السردين فعلاً أغلى من قدرته الحقيقية، أم أن من يتحكمون في السوق قرروا أن يجعلوه كذلك؟

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close