بين المسؤولية والمساءلة.. أرقام تكشف واقع أخلاقيات الصحافة بالمغرب

كشف حميد الساعدني، خلال مداخلته في ندوة بالدار البيضاء، عن معطيات دقيقة حول حجم الشكايات التي توصلت بها لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية التابعة للمجلس الوطني للصحافة بين عامي 2019 و2024. الأرقام تعكس حجم التحديات التي يواجهها القطاع في ما يتعلق بالالتزام بالمعايير الأخلاقية والمهنية.
خلال هذه الفترة، تلقت اللجنة 183 شكاية ضد 16 صحافيًا مهنيًا، تم البت في 169 منها، فيما لا تزال 14 شكاية قيد المعالجة. هذه الشكايات لم تقتصر على أفراد، بل شملت 54 مؤسسة صحفية مصرح بها لدى المجلس، بينها 51 موقعًا إلكترونيًا و3 منابر ورقية، ما يسلط الضوء على الفجوة المتزايدة بين الصحافة الرقمية والصحافة التقليدية في ما يتعلق بالالتزام بأخلاقيات المهنة.
الساعدني لم يتجاهل حساسية هذه الأرقام، بل كان واضحًا في تقييمه للوضع قائلاً: “نحن واعون بأننا لم نكن في مستوى التطلعات.” اعتراف يعكس إدراكًا داخليًا بضرورة مراجعة الممارسات الصحفية وتعزيز آليات ضبط المهنة، خصوصًا في ظل التحديات التي فرضتها التحولات الرقمية وارتفاع منسوب الأخبار الزائفة.
الأرقام تكشف أيضًا أن الصحافة الإلكترونية هي الأكثر استهدافًا بالشكايات، وهو ما يطرح أسئلة جدية حول مدى التزام هذه المؤسسات بالمعايير المهنية، وسط سباق محموم على السبق الصحفي والنقرات الرقمية. في المقابل، رغم قلة عدد الشكايات الموجهة للصحافة الورقية، فإن ذلك لا يعني بالضرورة خلوها من التجاوزات، بقدر ما يعكس واقعًا جديدًا تتحكم فيه المعادلات الرقمية أكثر من أي وقت مضى.
بقدر ما تعكس هذه الإحصائيات مستوى الاحتقان بين الإعلام والجمهور، فإنها تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول مستقبل الصحافة في المغرب. هل هي بحاجة إلى مزيد من الضوابط، أم أن الحل يكمن في التكوين المستمر وتعزيز الوعي الأخلاقي داخل المؤسسات الإعلامية؟ سؤال يظل مفتوحًا، لكنه يتطلب إجابة عملية تترجم إلى إصلاحات حقيقية تعيد للصحافة وهجها، دون المساس بجوهر حريتها.