ثقافة وفنون

“لو يخجل الموت قليلا”…عندما تصبح الكتابة نشيدا للغائبين…عبد العزيز كوكاس يتألق في آخر إصداراته

في أحدث إصداراته، يواصل الكاتب والإعلامي المغربي عبد العزيز كوكاس رحلته مع الكتابة، هذه المرة عبر بوابة الفقد والغياب، في كتابه الجديد “لو يخجل الموت قليلا”، الصادر عن منشورات النورس. يحمل الكتاب بين صفحاته تأملات فلسفية وشاعرية حول الموت، الغياب، والرحيل، مستعرضا بحس مرهف وجمالية لغوية استثنائية وقع الفقدان على النفس البشرية.
حين يتحول الكاتب إلى شاهد على الغياب
يسائل كوكاس في عمله الجديد معنى الرحيل، ويدعو القارئ إلى التوغل في عالم الذكريات والوجع، حيث يصبح الموت أكثر من مجرد نهاية بيولوجية، بل تجربة شعورية تفرض ذاتها على الأحياء. في إحدى اللحظات المكثفة في الكتاب، يكتب كوكاس قائلا: “في كل لحظات الفواجع، كنت أصل متأخرا عن الموت ببضع ثوان فقط، لم أحضر جنازات أصدقاء حميميين، لا لأراوغ ذاكرة الموت لعله يسقطني من قائمته، بل لأني أحس دوما أن قنصي جد سهل… أحيانا أشعر أني والموت خصمان لا يمكننا أن نقيم في ذات المكان في الوقت نفسه، أحسه يقطف أحبائي لأدرك أن سهمه أخطأ نبضي قليلا، وأنه يقتلني بالتقسيط عبر خطف من يبهجني حضورهم…”
بهذه اللغة الشفافة والعميقة، يكتب كوكاس نصًا يتجاوز التوثيق العاطفي للفقد، ليصبح شهادة وجودية على حضور الغائبين في الذاكرة واللغة.
ما وراء الصمت.. كيف نستعيد من نحب؟
في تقديمه للكتاب، يرى المفكر محمد هاشمي أن كوكاس يخوض “معركة لغوية تتجاوز تحديات البلاغة، نحو مقتضيات الفضيلة”، مشيرا إلى أن الكتاب يفتح بابا للتأمل في كيفية تعامل الأحياء مع موت أحبائهم. فغالبا ما تأخذنا لغة الرثاء إلى استدعاء ألمنا نحن، لا ألم الراحلين، مما يضاعف من صمتهم في غيابهم. غير أن كوكاس، من خلال لغته المتدفقة وأسلوبه المرهف، يمنح الموتى فرصة أخرى للوجود، عبر الكلمات التي تعيد لهم ملامحهم وحكاياتهم وصوتهم الذي خفت عن الدنيا لكنه لا يزال يتردد في ذاكرة من عرفوهم.
بين الصحافة والشعر.. كوكاس يروض اللغة
يتميز أسلوب كوكاس بمزيج فريد من الشعرية والتأمل الفلسفي، مدعوما بخلفيته الصحفية التي تكسب كتاباته عمقا ووضوحا. فهو لا يكتفي برثاء الغائبين، بل يعيد خلقهم في عالم الكتابة، كأنهم يستعيدون أنفاسهم عبر سطور نصه. يقول هاشمي في تحليله للكتاب: “كوكاس، هذا الحارس الذي فرش كلماته للغائبين كي ينبعثوا مرة أخرى في ضوء الكلام، استطاع أن يكسر سطوة الصمت والموت بقوة الكتابة، وهكذا جعل الموت يخجل قليلا.”
كتاب لا نمل من قراءته
“لو يخجل الموت قليلا” ليس مجرد كتاب عن الفقد، بل هو رحلة في دروب الحنين والاستذكار، نص يستعيد من نحبهم بكامل تفاصيلهم، يجعلهم يجالسوننا من جديد عبر الكلمات. إنه عمل أدبي يستحق التأمل، حيث يتقاطع الأدب بالحياة، وتمتزج الفلسفة بالشعر، ليصير الحزن مساحة للبوح والجمال.
فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close