« إسكوبار الصحراء» .. شاحنات تائهة بين الإنكار والتناقضات

في قاعة محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، تستمر فصول واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا وإثارة، حيث تتشابك المصالح السياسية والاقتصادية مع عالم الجريمة المنظمة. القضية، التي باتت تُعرف إعلاميًا بـ”إسكوبار الصحراء”، تجرّ خلفها أسماء ثقيلة مثل سعيد الناصري وعبد النبي بعيوي، وسط شبكة من الاعترافات المتضاربة والإنكارات المتكررة.
المتهمون يتفادون التفاصيل، والمحاضر تفيض بالمعطيات. عبد الرحمان.د، الذي اشتغل لعشر سنوات في إحدى شركات بعيوي، يصر على أنه لا يعلم شيئًا عن الشاحنات التي يتحدث عنها الادعاء، تلك الشاحنات التي اختفت سجلاتها ولم يُعثر لها على أثر رسمي. وحتى عندما واجهه القاضي بشهادة الموظفة سناء، التي أكدت أن لا وجود لوثائق تثبت شراء أو بيع هذه المركبات، ظل الرجل متمسكًا بالإنكار، مبررًا الأمر بأن الشاحنات كانت تُستخدم في المقالع دون الحاجة إلى تسجيلها.
التحقيقات الرسمية تكشف معطيات أكثر تعقيدًا. “توفيق ز” صرّح أن 11 شاحنة تم استيرادها من الصين لكنها لم تحصل على شهادة المطابقة، وأن إسكوبار الصحراء أعطى أوامره بنقل خمس منها إلى بعيوي. وفقًا للمحاضر، تحركت القافلة من الرباط، بعد أن تكفّل بعيوي بنفسه بتزويدها بالوقود، في رحلة غير واضحة الوجهة. تصريحات توفيق بن، أحد الشهود الرئيسيين، تعيد ترتيب المشهد، حيث يؤكد أن سعيد الناصري كان على علم تام ببيع الشاحنات بل وساهم في تسهيل حصولها على شهادة السير.
الأمر لا يتوقف عند الشاحنات، بل يمتد إلى تفاصيل أخرى أكثر حساسية. شهادات تتحدث عن سهرات في فيلا بمنطقة كاليفورنيا، جمعت شخصيات من داخل القضية، وسط تساؤلات عن طبيعة هذه العلاقات وماذا كان يدور في الكواليس. المتهمون، رغم اختلاف مواقعهم، يتشاركون في شيء واحد: التهرب من الأجوبة الحاسمة.
أجهزة التتبع GPS كانت حلقة أخرى في القصة. وفق المحاضر، تلقت الموظفة سناء أوامر مباشرة بإزالتها من الشاحنات قبل نقلها إلى منطقة عين الصفا، حيث جرت عمليات طمس الأرقام التسلسلية بواسطة آلة لحام، في محاولة لجعلها مجرد خردة غير قابلة للتتبع. بعيوي نفسه أقرّ في أحد تصريحاته بأنه أمر بإخفاء هذه الشاحنات بعد اطلاعه على مقاطع فيديو متداولة على “تيك توك”، تربط إسكوبار الصحراء بصفقات بيع شاحنات صينية لشركات مغربية. محاولة التبرير هذه لم تقنع القاضي، خاصة أن تصريحات سابقة له تؤكد أنه كان يعرف المنطقة التي نُقلت إليها الشاحنات بشكل دقيق.
داخل القاعة، تزداد الضغوط، لكن الإنكارات تبقى العنوان العريض. توفيق بن، الذي كان يعمل حارسًا في أراضٍ فلاحية تابعة لعبد الرحيم بعيوي، ينفي أي علم له بالقضية، ثم يعود ليعترف بوجود الشاحنات داخل الشركة. الشهادات تتوالى، لكنها لا تقدم إجابات بقدر ما تفتح أبوابًا جديدة من الشكوك.
القضية التي بدأت بشاحنات مشبوهة تتجه الآن نحو كشف شبكة من المصالح المتشابكة. الرأي العام يترقب الجلسات القادمة، التي قد تحمل إجابات حاسمة، أو على الأقل، تزيد من تعقيد اللغز.