سياسة
هل ينجح حزب التقدم والاشتراكية في فرض مراجعة شاملة لورش تعميم التغطية الصحية بين القطاعين العام والخاص؟

في ظل الجهود الحثيثة التي تبذلها الدولة لتوسيع نطاق التغطية الصحية الأساسية لكافة المواطنين، عاد الجدل مجددا حول مدى نجاعة هذا الورش الوطني الكبير، خاصة بعد دعوة فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب إلى تشكيل مجموعة عمل موضوعاتية مؤقتة لتقييم سير هذا المشروع الحيوي.
وفي هذا الصدد وجه رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، طلبا رسميا إلى رئيس مجلس النواب لإحداث هذه المجموعة، معتبرا أن هذه الخطوة ضرورية لـ”إجراء تقييم دقيق وموضوعي لورش تعميم التغطية الصحية”، وذلك التزاما بالتوجيهات الملكية السامية في هذا المجال.
ويأتي هذا المقترح في سياق إصدار الحكومة مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية التي تهدف إلى إدماج ملايين المواطنين في نظام التغطية الصحية الأساسية، ما يفرض، بحسب حموني، ضرورة استخلاص الدروس من التجربة الحالية وتقديم توصيات بناءة لمعالجة أي اختلالات قد تظهر خلال التنفيذ.
ورش استراتيجي بمراحل متدرجة
يعد تعميم التغطية الصحية أحد المشاريع الوطنية الكبرى التي تسعى إلى ضمان استفادة جميع المواطنين من التأمين الصحي، خاصة الفئات الهشة والعاملين في القطاع غير المهيكل. وقد بدأت الحكومة تنفيذ هذا المشروع بشكل تدريجي، حيث تم توسيع التغطية الصحية الإجبارية لفئات جديدة مع نهاية 2023، ثم إدماج المستفيدين السابقين من نظام “راميد” ضمن التأمين الإجباري الأساسي عن المرض.
انتقادات حادة لنموذج التغطية الصحية
لكن رغم هذه الخطوات، تواجه الحكومة انتقادات متزايدة حول تدبيرها لهذا الورش، حيث وصف الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، نبيل بنعبد الله، طريقة تنفيذ المشروع بأنها تصب في مصلحة القطاع الخاص أكثر من المستفيدين الحقيقيين.
وأشار بنعبد الله إلى أن النفقات المخصصة للتأمين الإجباري عن المرض يتم توجيهها بشكل أساسي إلى المصحات الخاصة، مستشهدا بتقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي كشف أن 74% من النفقات المفوترة في إطار التأمين الصحي الإجباري تذهب للقطاع الخاص، مقابل 26% فقط للمستشفيات العمومية.
ووفقا للتقرير نفسه، فقد بلغت النفقات الإجمالية للتأمين الإجباري عن المرض منذ دجنبر 2022 وحتى يوليوز 2024 نحو 11.037 مليار درهم، مع تخصيص جزء ثابت فقط لدعم مراكز الخدمات الصحية الأولية التابعة للقطاع العام.
التحديات المطروحة وآفاق الإصلاح
تشير هذه الأرقام إلى أن ورش التغطية الصحية، رغم أهميته البالغة، لا يزال يواجه تحديات كبيرة، أبرزها ضعف استفادة المستشفيات العمومية من الموارد المالية المخصصة له، ما يطرح تساؤلات حول الحاجة إلى إصلاح هيكلي يضمن عدالة توزيع التمويل بين القطاعين العام والخاص.
وفي هذا السياق، يبرز دور مجموعة العمل الموضوعاتية المقترحة كخطوة ضرورية لتقييم مدى تحقيق المشروع لأهدافه الاجتماعية والاقتصادية، وتقديم مقترحات من شأنها تحسين الحكامة وضمان وصول الخدمات الصحية إلى مختلف شرائح المجتمع.
يظل تعميم التغطية الصحية ورشا محوريا في مسار تعزيز العدالة الاجتماعية بالمغرب، غير أن نجاحه يرتبط بمدى قدرته على تحقيق توازن عادل بين مختلف الفاعلين في المنظومة الصحية. وبينما تتواصل النقاشات حول تدبير هذا المشروع، يبقى السؤال المطروح: هل ستتمكن الحكومة من تصحيح الاختلالات وضمان عدالة أكبر في توزيع الموارد الصحية بين القطاعين العام والخاص؟
فاطمة الزهراء الجلاد.