
عملية “قفة رمضان”، التي أُطلقت في بيت حنينا، ليست مجرد توزيع للمواد الغذائية، بل هي تأكيد على أن هناك من يعي حجم المعاناة التي يعيشها المقدسيون يوميًا. استهداف 20 مؤسسة اجتماعية، تشمل دور الأيتام والملاجئ والتكايا ومراكز الرعاية الخاصة، يعكس فهمًا دقيقًا لاحتياجات المجتمع المحلي، حيث لا تقتصر المساعدات على الأسر فقط، بل تمتد إلى البنية المؤسسية التي تلعب دورًا أساسيًا في دعم المجتمع المقدسي.
ولم تكن هذه الخطوة معزولة، بل سبقتها عدة مبادرات، كان آخرها دعم جامعة القدس – بيت حنينا بعملية ترميم وتأهيل شملت الفضاءات الجديدة للحرم الجامعي، وهو استثمار استراتيجي في مستقبل الشباب الفلسطيني، ودعم مباشر لاستمرارية التعليم في ظل بيئة صعبة تتطلب مزيدًا من الجهود للحفاظ على المؤسسات الأكاديمية.
إن ما يميز عمل وكالة بيت مال القدس الشريف هو الاستمرارية والشمولية، فهي لا تكتفي بالمساعدات الموسمية، بل تنخرط في مشاريع طويلة الأمد تغطي مجالات حيوية كالصحة والتعليم والسكن، مما يساهم في تحسين جودة الحياة في القدس، ليس فقط على المستوى المعيشي، ولكن أيضًا على مستوى الحفاظ على الهوية الثقافية والدينية للمدينة.
ما يلفت الانتباه أيضًا هو أن هذه الجهود تأتي وسط صمت عربي ودولي متزايد تجاه ما يحدث في القدس، حيث تبدو المدينة في كثير من الأحيان وكأنها تُركت لمصيرها. في ظل هذا الواقع، يصبح الدور المغربي، من خلال وكالة بيت مال القدس، أكثر أهمية، إذ يثبت أن التضامن ليس مجرد كلمة، بل مسؤولية تاريخية تتطلب أفعالًا ملموسة.
في نهاية المطاف، لا يمكن النظر إلى هذه المبادرات بمعزل عن السياق العام الذي تعيشه القدس، فالدعم الغذائي والاجتماعي والتعليمي ليس مجرد مساعدة إنسانية، بل هو جزء من معركة الحفاظ على الهوية الفلسطينية في المدينة، وحماية الحقوق العربية والإسلامية فيها. وبهذا، تبقى وكالة بيت مال القدس نموذجًا لعمل عربي فعّال، يحمل رؤية واضحة تقوم على دعم المقدسيين وتعزيز صمودهم في مدينتهم، رغم كل التحديات.