“إعلان القاهرة” يحمل إشارة قوية في اتجاه دعم لجنة القدس، برئاسة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وتثمين دور وكالة بيت مال القدس

في ظل التطورات المتسارعة التي تعيشها القضية الفلسطينية، شارك وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السيد ناصر بوريطة، في أشغال الدورة غير العادية لجامعة الدول العربية بالقاهرة، حاملًا موقفًا مغربيًا واضحًا، ينبع من التوجيهات السامية لجلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس. خلال هذه الدورة، قدّم الوزير رؤية متماسكة لمعالجة الوضع في غزة، مؤكدًا أن أي حل يجب أن يرتكز على أسس سياسية صلبة، لا على تدخلات ظرفية لا تعالج جذر الأزمة.
تصريحات السيد بوريطة عقب هته الدورة، جاءت لتؤكد أن المغرب، الذي يضع القضية الفلسطينية في مرتبة قضاياه الوطنية، ينطلق من ثوابت واضحة، أولها أن غزة والضفة الغربية جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية، ما يعني أن الشعب الفلسطيني وحده، ممثلًا في سلطته الشرعية، هو من يملك حق تقرير مستقبلها. وبالتالي، فإن أي محاولات لفرض حلول خارجية تتجاهل هذا المعطى، لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد.
لكن قبل الحديث عن إعادة الإعمار، شدّد الوزير على ضرورة تثبيت وقف إطلاق النار وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة، مع العمل على إرساء وقف دائم للاعتداءات الإسرائيلية. إذ لا يمكن الحديث عن البناء في ظل غياب الاستقرار، ولا معنى لجهود الإعمار إذا ظلت آلة الهدم تعمل بلا توقف.
وفيما يخص إعادة الإعمار، أوضح بوريطة أن المسألة ليست مجرد عملية تقنية أو مالية، بل هي ورش سياسي بامتياز، يحتاج إلى انخراط كل الفاعلين، فلسطينيين وإقليميين ودوليين، وفق تصور شامل يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية. إذ لا يمكن اختزال إعادة الإعمار في إعادة بناء البنية التحتية فقط، بل يجب أن تكون مرفوقة ببيئة سياسية داعمة، تقطع مع خطاب الكراهية وتؤسس لمنطق السلام والتعايش.
إلى جانب غزة، لم تغب القدس والضفة الغربية عن حديث الوزير، الذي ذكّر بالدور الذي تضطلع به لجنة القدس، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، في حماية الوضع القانوني والتاريخي للمدينة المقدسة، ودعم المقدسيين عبر وكالة بيت مال القدس. وهو ما تمت الإشارة إليه في البيان الختامي للقمة، من خلال الإشادة بدور المغرب في هذا الملف الحيوي.
لكن التحدي الأكبر، وفق الرؤية المغربية، لا يكمن فقط في إعادة الإعمار، بل في خلق أفق سياسي يضمن وحدة الصف الفلسطيني، ويهيئ الظروف لتحقيق حل الدولتين، بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. فتجاوز العراقيل الداخلية والانقسامات، يعد شرطًا أساسيًا لإقناع المجتمع الدولي بدعم مسار حقيقي نحو السلام العادل والدائم.
تصريحات الوزير بوريطة خلال هذه القمة لم تكن مجرد مواقف دبلوماسية، بل كانت خريطة طريق تستند إلى قراءة واقعية للأوضاع، وتطرح رؤية عملية تتجاوز الحلول الظرفية. فالقضية الفلسطينية تحتاج اليوم إلى أكثر من مجرد مبادرات متفرقة، بل إلى مقاربة شاملة تأخذ في الاعتبار كل الأبعاد، وتضمن انتقالًا حقيقيًا من منطق المواجهة إلى منطق البناء.