
مع حلول شهر رمضان، أطلقت الوكالة حملة تضامنية لتوزيع المساعدات الغذائية على أسر مقدسية متضررة، وامتدت يد العون إلى العائلات النازحة من غزة، في وقت تضيق فيه سبل العيش بفعل الأوضاع الأمنية والاقتصادية الصعبة. في قرى القدس وضواحيها، من الجديرة إلى النبي صموئيل، انتشرت فرق الوكالة حاملة طرودًا غذائية تحتوي على 22 صنفًا من المواد الأساسية، إلى جانب تقديم وجبات ساخنة للصائمين، في دور الأيتام والملاجئ والمراكز الاجتماعية.
شهادات المستفيدين كانت مؤثرة، حيث أكّدوا أن هذه المبادرات المغربية ليست طارئة، بل هي موعد سنوي ثابت يُخفف من الأعباء المعيشية، ويمنح العائلات المقدسية بصيصًا من الأمل في شهر الرحمة. يقول محمد الصياد، رئيس جمعية رعاية المكفوفين بالقدس: “المساعدات لا تتوقف عند الغذاء فقط، بل تشمل دعمًا مستدامًا لفئات هشة، بينها ذوو الإعاقة.” أما ضياء الحسيني، رئيس جمعية خيرية، فشدّد على أن حملة رمضان السنوية هي “لمسة دفء مغربية في ظل ظروف تزداد صعوبة.”
لم يكن هذا الجهد الإنساني سوى جزء من التزام المغرب التاريخي تجاه القدس، التزامٌ يتجلى أيضًا في دعم البنية الثقافية والتعليمية للمدينة. في خطوة غير مسبوقة، أطلقت وكالة بيت مال القدس الشريف “كرسي الدراسات المغربية” في جامعة القدس، وهو مشروع أكاديمي يهدف إلى تعزيز التبادل العلمي والتعريف بالثقافة المغربية، وإحياء الأواصر التاريخية بين البلدين.
لم يتوقف الدعم المغربي عند حدود الفكر والبحث الأكاديمي، بل امتد إلى تهيئة الحرم الجامعي لجامعة القدس في بيت حنينا، بتكلفة بلغت 395 ألف دولار أمريكي، في مشروع حمل بصمة مغربية أصيلة. أعيد تصميم المدخل الرئيسي للجامعة بطابع معماري مغربي، وزُوّد ببوابات منفصلة، ومقاعد، ومدرج صغير، إلى جانب توفير مساحات خضراء تعتمد على نظام ريّ حديث. كما تم تحسين مواقف السيارات وتوفير تجهيزات خاصة لحركة الأشخاص في وضعية إعاقة، مما يجعل الحرم الجامعي أكثر انسيابية وراحة للطلبة والأساتذة على حد سواء.
كل هذه المشاريع تأتي في إطار الرؤية التي يقودها جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، والتي تقوم على دعم صمود المقدسيين وتعزيز هويتهم الثقافية، ليس بالشعارات، بل بمبادرات ملموسة تمسّ مختلف جوانب الحياة، من التعليم إلى الصحة، ومن الغذاء إلى التبادل الثقافي.
وبينما تتعالى أصوات الأذان في المسجد الأقصى، يظل المغرب حاضرًا في القدس، لا بصفته داعمًا فقط، بل كجزء لا يتجزأ من نسيجها التاريخي والحضاري. يدٌ تمد العون، وأخرى تحفظ الذاكرة، وبينهما رابط روحي لا ينقطع، عمره قرون، وسيبقى ما بقيت القدس.