في ذكراه السادسة والستين… جلالة المغفور له “محمد الخامس”، الملك الذي أوقد شعلة الحرية

لم يكن محمد بن يوسف مجرد سلطان حكم البلاد، بل كان رجل دولة آمن بأن السيادة لا تُوهب، بل تُنتزع. حين حاولت سلطات الحماية فرض وصايتها، رفض الإملاءات، واختار طريق الصمود، حتى وإن كلفه ذلك المنفى بعيدًا عن عرشه وشعبه. ففي أغسطس 1953، قررت فرنسا نفيه إلى كورسيكا ثم مدغشقر، ظنًا منها أن إبعاده سيُخمد شرارة المقاومة، لكنها لم تكن تعلم أن نفيه كان الشرارة ذاتها التي أشعلت فتيل ثورة الملك والشعب.
لم يغب الملك عن ذاكرة المغاربة حتى وهو بعيد عن أرض الوطن. ظلت صوره تُرفع في الأزقة والأسواق، وأصبحت عودته هدفًا وطنياً التف حوله الجميع، من المقاومين في الخفاء إلى المواطنين في الشوارع. وحين حانت اللحظة، في 16 نونبر 1955، عاد الملك إلى أرضه، لكن ليس كسلطان تحت الحماية، بل كقائدٍ لشعب انتزع استقلاله.
لم يكن الاستقلال نهاية المطاف، بل بداية مرحلة أصعب: بناء مغرب حديث. كان محمد الخامس يؤمن بأن تحرير الوطن لا يكتمل إلا بتحرير العقول، فدعا إلى تعميم التعليم، ورعى المشاريع التنموية، ورسّخ قيم الوطنية الصادقة.
لكن القدر لم يمهله طويلًا، ففي مثل هذا اليوم، قبل ستة وستين عامًا، فقد المغاربة ملكهم الذي أحبهم وأحبوه، رحل الرجل الذي كان جسراً بين المغرب التقليدي والمغرب الحديث. ومع ذلك، لم يكن رحيله إلا ميلادًا جديدًا لمشروع وطني واصل ابنه الحسن الثاني تشييده، حتى بات المغرب اليوم قوة إقليمية صامدة.
ستظل ذكرى جلالة الملك محمد الخامس حيّة في وجدان المغاربة، ليس فقط كملكٍ حارب الاستعمار، بل كرجل صنع التاريخ، تاركًا وراءه أمةً تعرف جيدًا معنى الحرية والاستقلال.