
في مشهد أشبه بالكوارث التوراتية، تتعرض الجزائر وتونس لغزو مدمر من أسراب الجراد الصحراوي، الذي يلتهم الأخضر واليابس بسرعة لا تترك مجالًا للنجاة. حقول كاملة تختفي في ساعات، والمزارعون يشاهدون جهد شهور من العمل الشاق يتحول إلى فراغ قاحل، بينما الحكومات تتخبط في ردود أفعال متأخرة لا تسمن ولا تغني من جوع.
في الجزائر، حيث الأزمات الاقتصادية والمعيشية تخنق المواطنين، أضيفت كارثة الجراد إلى المشهد المتأزم. رغم محاولات السلطات في ولاية المنيعة للسيطرة على الوضع عبر تشكيل خلية أزمة، إلا أن التدخل جاء بعد فوات الأوان. الجراد، الذي يتحرك كجيش بلا قائد، يبتلع الحقول بسرعة مرعبة، مهددًا الأمن الغذائي لبلد يعاني أصلًا من صعوبات في تأمين موارده الزراعية. المزارعون لا يخفون هلعهم، فهم يدركون أن مواجهة هذا الطوفان الحشري تحتاج إلى إمكانيات تفوق بكثير مجرد توزيع بعض المبيدات.
وفي تونس، التي لم تلتقط أنفاسها بعد من الأزمات الاقتصادية والجفاف، جاء اجتياح الجراد كصفعة جديدة. الحكومة أعلنت “حالة الطوارئ”، لكن القرارات البيروقراطية لم تكن أسرع من حركة الجراد الذي يعبر الحدود بلا تأشيرة، متغذّيًا على فشل السياسات الزراعية والافتقار إلى خطط استباقية. جنوب البلاد، خصوصًا في تطاوين وذهيبة، صار ساحة معركة خاسرة، حيث تتساقط المحاصيل ضحيةً سهلة أمام هذا العدو القادم من الصحراء.
السيناريو الكارثي الذي نراه اليوم لم يولد من العدم. فهذه الأسراب لم تظهر فجأة، بل نشأت في مناطق إفريقية تعاني من عدم الاستقرار البيئي والسياسي، كليبيا ومنطقة الساحل. هناك، في غياب أي مجهود جاد لمكافحتها، تكاثرت الجراثيم المجنحة وانتشرت، لتجد في الجزائر وتونس مائدة مفتوحة وشهية بلا حدود. الجفاف وارتفاع درجات الحرارة زادا من سرعة تكاثر الجراد، والنتيجة: كارثة زراعية بامتياز.
اليوم، وبينما الجراد يحلق فوق رؤوس المزارعين كظل ثقيل ينذر بالمجاعة، يبقى السؤال: هل تتحرك الحكومات قبل أن يتحول الخطر إلى مجاعة حقيقية، أم أن الشعوب ستُترك، كما العادة، لمواجهة مصيرها وحيدة؟