المغرب يعزز موقعه الدبلوماسي في إفريقيا عبر مشاورات غير رسمية لدعم الدول الانتقالية

يواصل المغرب ترسيخ مكانته كفاعل رئيسي في تعزيز الاستقرار السياسي بإفريقيا، مستثمراً رئاسته لمجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي خلال شهر مارس الجاري في إطلاق دينامية جديدة للحوار والتعاون بين دول القارة. وقد شكلت المشاورات غير الرسمية التي عقدها المغرب مع ست دول إفريقية تعيش مراحل انتقالية—وهي غينيا، بوركينا فاسو، الغابون، مالي، النيجر، والسودان—خطوة نوعية في نهج الدبلوماسية المغربية الذي يعتمد على الواقعية، الاستماع المتبادل، وتعزيز الحلول الإفريقية للمشاكل الإفريقية.
هذه المبادرة، التي حظيت بإشادة واسعة من قبل وزراء خارجية الدول المشاركة، تعكس قدرة المغرب على تقديم مقاربات مبتكرة في التعامل مع الأزمات السياسية بالقارة. فقد وصف وزير الخارجية الغيني، موريساندا كوياتي، هذه الخطوة بأنها “تقدم حقيقي في إدارة التحولات السياسية في إفريقيا”، مشيداً بـ”الدبلوماسية المتميزة” التي يقودها المغرب تحت توجيهات الملك محمد السادس. ولم يكن هذا الموقف معزولاً، إذ سار على نهجه نظراؤه من بوركينا فاسو، الغابون، النيجر، ومالي، الذين عبروا عن تقديرهم لما أسموه “اللمسة المغربية” القائمة على الحوار البناء، البراغماتية، والانفتاح.
وتندرج هذه المشاورات غير الرسمية ضمن رؤية مغربية واضحة تهدف إلى مواكبة الدول التي تعاني من أوضاع انتقالية مضطربة، ومساعدتها على تجاوز التحديات الأمنية، الاقتصادية، والسياسية التي تواجهها. فمن خلال مشاريع ملموسة وبرامج تعاون ميدانية، يسعى المغرب إلى تسريع عمليات الانتقال السياسي لهذه الدول، وضمان عودتها إلى النظام الدستوري، بما يتماشى مع القيم والمبادئ التي ينادي بها الاتحاد الإفريقي.
الجانب اللافت في هذه المبادرة هو أنها لم تقتصر على الجانب السياسي فقط، بل تطرقت إلى التحديات التنموية التي تؤثر على الاستقرار العام في هذه الدول. فقد تم التطرق إلى مواضيع مثل الأمن الغذائي، الصحة العامة، مكافحة الإرهاب والتطرف، وتغير المناخ، وهي قضايا أصبحت تشكل تهديدات رئيسية لدول القارة.
ولا يمكن النظر إلى هذه التحركات المغربية بمعزل عن الاستراتيجية الأشمل التي يعتمدها المغرب في علاقته بإفريقيا. فمنذ عودته إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، حرصت المملكة على تبني دبلوماسية نشطة تجمع بين العمل السياسي، الاقتصادي، والإنساني، وفق رؤية ملكية ترتكز على التضامن الفاعل والتعاون المشترك.
وقد ترجم المغرب هذا الالتزام في عدة مبادرات سابقة، من بينها “مبادرة الدول الإفريقية الأطلسية”، التي تهدف إلى تعزيز التكامل الاقتصادي لدول الساحل عبر منحها منفذاً استراتيجياً إلى المحيط الأطلسي، إضافة إلى جهود الوساطة التي قادتها الرباط في عدد من الأزمات الإفريقية، مما جعلها رقماً صعباً في المعادلة الجيوسياسية للقارة.
اليوم، ومع نجاح هذه المشاورات غير الرسمية، يؤكد المغرب مجدداً دوره كجسر حوار وحلقة وصل بين الدول الإفريقية، مقدماً نموذجاً لدبلوماسية فعالة تقوم على المبادرة، الاستباقية، والشراكة البناءة. ففي ظل التحديات المتسارعة التي تواجه القارة، يثبت المغرب أنه ليس فقط طرفاً فاعلاً في منظومة الاتحاد الإفريقي، بل شريكاً استراتيجياً للدول الساعية إلى الاستقرار والتنمية.