مجتمع

الوجه القاتم لـ ‘غلوفو المغرب’.. سائقو الطلبات يخاطرون بحياتهم في سباق ضد الزمن والموت!”

على دراجاتهم النارية، يجوبون شوارع المدن الكبرى بسرعة جنونية، يتحدّون إشارات المرور، ويتفادون السيارات ببراعة بهلوانية، ليس شغفًا بالمغامرة، ولكن هربًا من عقوبة التأخير التي قد تُسقطهم في دوامة الفقر بين عشية وضحاها هؤلاء هم “عبيد التوصيل”، شباب مغاربة رمت بهم الحاجة إلى أحضان نموذج اقتصادي يرفع شعار الحرية والاستقلالية، لكنه يخفي وراءه استغلالًا بلا حدود.

في عالم جلوفو المغرب، كل شيء على عاتق الموصّل، ولا شيء على عاتق الشركة. الدراجة؟ عليك شراؤها وتأمينها وصيانتها الهاتف؟ يجب أن يكون عالي الجودة لالتقاط الطلبات فور ورودها. الحقيبة التي تحمل فيها طلبيات الزبائن؟ أحيانًا تدفع ثمنها من جيبك. أما التأمين الصحي والتغطية الاجتماعية، فهي رفاهية لا مكان لها في قاموس المنصة. فالعامل هنا ليس “موظفًا”، بل مجرد “مقاول ذاتي”، وهي الصيغة التي تتيح للشركة جني الأرباح الطائلة دون تحمل أي مسؤولية تجاه جيش الموصّلين الذين يعملون ليلًا ونهارًا للحفاظ على سير عجلة الأرباح.

لكن التكلفة الحقيقية لا تُدفع بالمال، بل بالدم والعظام المكسورة. السباق المجنون لكسب الطلبات يدفع الشباب إلى انتهاك كل قوانين السلامة، حيث يصبح احترام الإشارات الضوئية خطرًا على الدخل، والتوقف للحذر من السيارات رفاهية لا يتحملها “الراتب”، والنتيجة؟ عدد متزايد من الحوادث التي لا تلقى سوى الصمت والتجاهل. عندما يسقط الموصّل مصابًا، تتحول “جلوفو” إلى شبح.. لا تعويض، لا دعم، لا اهتمام، فقط رسالة باردة تخبرك بأن حسابك لم يعد نشطًا.

وما يزيد الطين بلة، هو أن هؤلاء الموصّلين يعملون تحت نظام تقييم قاسٍ لا يرحم. نقرة واحدة من زبون غاضب قد تعني انهيار فرص العمل بالكامل، والتأخير بسبب زحمة السير قد يكون بمثابة حكم إعدام مالي، حيث يجد الموصّل نفسه في قاع الترتيب بلا طلبات، بلا دخل، وبلا أمل.

إن ما يحدث اليوم في المغرب هو صورة مصغرة لرأسمالية متوحشة تلتهم حياة الشباب دون أن تترك لهم أي ضمانات للمستقبل. الدولة مطالبة بالتدخل العاجل لتنظيم هذا القطاع، وإجبار الشركات العملاقة مثل جلوفو على توفير تغطية اجتماعية وتأمين صحي وتأمين ضد الحوادث لكل العاملين تحت منصتها. فليس من المقبول أن تتحول طرقات المغرب إلى ساحات حرب خفية، يكون ضحاياها شبابًا كل ما أرادوه هو لقمة عيش كريمة.

الوقت حان لكسر الصمت، فكم من روح يجب أن تُزهق قبل أن يتحرك الضمير؟

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close