سياسة

المغرب وأمريكا اللاتينية.. حين تمتد الجغرافيا لتصنع تحالفات استراتيجية

في عالم السياسة، ليست الخرائط وحدها من تحدد طبيعة التحالفات، بل هناك خيوط أخرى تنسجها المصالح المشتركة، والرؤى الموحدة، والدبلوماسية الذكية. هذا بالضبط ما عكسته الزيارة الأخيرة لرئيس البرلمان الأندي، غوستافو باتشيكو فيلار، إلى المغرب، حيث وجد في الرباط ما هو أبعد من مجرد شريك سياسي، بل بوابة رئيسية نحو توازنات دولية جديدة.

اللقاء الذي جمعه بوزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، لم يكن مجرد اجتماع رسمي بقدر ما كان إعلانا عن مستوى جديد من التعاون، حيث لم يتردد المسؤول الأندي في تأكيد دعم بلاده المطلق للوحدة الترابية للمغرب، واضعًا بذلك حجرًا إضافيًا في صرح الدبلوماسية المغربية التي تزداد رسوخًا على المستوى العالمي. لكن ما يثير الاهتمام هنا، ليس مجرد هذا الاعتراف، بل السياق الذي جاء فيه. فالبرلمان الأندي، الذي يمثل خمس دول من أمريكا الجنوبية، يدرك جيدًا أن الرهان على المغرب لم يعد خيارًا دبلوماسيًا عابرًا، بل استراتيجية مدروسة لدول تبحث عن شركاء موثوقين في عالم سريع التحول.

في المقابل، لم يكن المغرب بحاجة إلى تقديم الكثير من البراهين حول مكانته كمحور استراتيجي في التعاون جنوب-جنوب. فالمملكة، التي خطت بثبات نحو تعزيز شراكاتها مع إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، باتت نموذجًا يحتذى به في التنمية المستدامة، والاستقرار السياسي، والقدرة على التكيف مع التحولات الجيوسياسية الكبرى. لهذا، عندما تحدث بوريطة عن متانة العلاقات بين المؤسستين التشريعيتين في المغرب ودول الأنديز، لم يكن ذلك مجرد خطاب دبلوماسي، بل انعكاس لمعادلة جديدة في السياسة الخارجية المغربية، حيث تتجاوز العلاقات الثنائية لتصبح شراكات متعددة الأبعاد تشمل قضايا الأمن، والهجرة، والطاقات المتجددة، والذكاء الاصطناعي.

بعيدًا عن الكواليس السياسية، كانت هذه الزيارة بمثابة نافذة على المستقبل، حيث تتقاطع مصالح المغرب مع دول تبعد عنه آلاف الكيلومترات، لكنها تقترب منه في الرؤية والطموح. وإذا كان البعض لا يزال ينظر إلى التحالفات الدولية من منظور جغرافي تقليدي، فإن الرباط تثبت مرة أخرى أن الدبلوماسية الحقيقية تُبنى على منطق أوسع، حيث تتحول المسافات إلى جسور، والحدود إلى فرص، والتعاون إلى تحالف استراتيجي قادر على تغيير موازين القوى.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close