سياسة

أخنوش في مواجهة النقابات.. ملفات حارقة على طاولة الحوار

في المشهد السياسي المغربي، هناك لحظات يكون فيها الصمت أكثر صخباً من الكلام. ولعل جولة أبريل من الحوار الاجتماعي بين الحكومة والنقابات واحدة من تلك اللحظات.

رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، قرر أخيراً فتح الملفات الثقيلة التي ظلت عالقة، تراكمت فوقها الغبار السياسي والمطالب المؤجلة: التقاعد، الأجور، وضعية “كنوبس”، مشاكل الصحة والتعليم. كلها قضايا تتقاطع عند نقطة واحدة: انتظار طويل ووعود تسير بسرعتين مختلفتين.

هذه المرة، لم ينتظر أخنوش حتى تأتيه الاحتجاجات عند بابه، بل بادر بنفسه إلى الاتصال بالنقابات والاتحاد العام لمقاولات المغرب، كأنه يريد استباق العاصفة قبل أن تتحول إلى إعصار. لكن، هل الحوار الاجتماعي هذه المرة مجرد لقاء بروتوكولي جديد أم أن هناك نية حقيقية للقطع مع سياسة “الترقيع” واعتماد إصلاحات جذرية؟

لا يحتاج الأمر إلى عبقرية لاكتشاف أن أنظمة التقاعد في المغرب تعيش على “أوكسجين اصطناعي”، فصناديقها تقترب شيئاً فشيئاً من الجفاف. سبق للحكومة أن وعدت بالإصلاح، لكن الزمن السياسي بطيء مقارنةً بالزمن المالي. اليوم، أصبح من الضروري الحسم: هل ستتم الزيادة في سن التقاعد؟ هل سيتم تغيير طريقة احتساب المعاشات؟ أم أن الحل سيكون على حساب جيوب الموظفين كما جرت العادة؟

النقابات تريد زيادة في الأجور، والحكومة تلوّح بتخفيض الضريبة على الدخل. ظاهرياً، يبدو الأمر وكأنه تفاوض عقلاني، لكن الحقيقة أن الموظف والعامل يريدان شيئاً ملموساً في آخر الشهر، وليس فقط أرقاماً على الورق. اتفاق أبريل 2024 منح زيادة 1000 درهم لموظفي الدولة، لكنه لم يكن كافياً لإطفاء غضب الشارع، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة. فهل ستعود الحكومة بجولة جديدة من الزيادات أم ستكتفي بمراوغات ضريبية جديدة؟

الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، أو كما يعرفه المغاربة بـ”كنوبس”، يعيش أزمة لا تقل تعقيداً عن باقي الملفات. تأخر التعويضات، مشاكل التغطية الصحية، ونظام بيروقراطي جعل من ولوج العلاج كابوساً لكثير من المواطنين. الحكومة تعلم أن إصلاح “كنوبس” لم يعد رفاهية بل ضرورة، لكن النقابات متوجسة: هل سيتم ذلك دون المساس بحقوق المنخرطين؟

التعليم والصحة في المغرب مثل مشاريع البناء التي تبدأ بوعود كبرى، ثم تتحول مع الوقت إلى مخططات مؤجلة. الأطباء والأساتذة يخوضون إضرابات متتالية، والقطاعان يعيشان أزمة موارد، بنيات تحتية متردية، وأجور لا تعكس حجم الجهد المبذول. أخنوش يدرك أن أي إصلاح لا يمكن أن ينجح دون تهدئة هذه الجبهة، لكن هل يملك القدرة على إقناع النقابات بجدية الحكومة؟

النقابات تعلم أن اقتراب فاتح ماي يعطيها هامش مناورة أكبر، والحكومة تدرك أن أي تعثر في الحوار قد يفجّر موجة احتجاجات جديدة. الرهان الآن ليس فقط على الأرقام التي ستخرج بها المفاوضات، بل على مدى قدرة أخنوش وفريقه على تقديم حلول قابلة للتنفيذ، بعيداً عن لغة التسويف والوعود الفضفاضة.

في النهاية، الحوار الاجتماعي ليس مجرد طقس سنوي، بل مرآة تعكس علاقة السلطة بالمجتمع. فهل ستكون هذه الجولة محطة للحلول الحقيقية، أم مجرد استراحة أخرى في طريق الأزمات المتكررة ؟

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close