مجتمع

“فوضى الإشهار في المغرب.. عندما يتحول دعم الصحافة إلى ريعٍ للتفاهة”

✍🏻 إدريس شحتان

قال الصحافي إدريس شحتان، إن سوق الإشهار في المغرب يعيش أزمة هيكلية عميقة تؤثر بشكل مباشر على المنظومة الإعلامية ككل، مشيرًا إلى أن الإشهار يُعتبر الشريان الأساسي لنمو المقاولات الإعلامية وضمان استقرارها وتحسين جودة منتوجها، غير أن الفوضى التي يعرفها هذا القطاع تجعل الحاجة إلى إصلاحات جذرية مسألة استعجالية، لضمان بيئة عادلة وشفافة ومتوازنة تحمي حرية الصحافة وتضمن التعددية الإعلامية.

وأكد شحتان أن لا أحد يعرف بدقة حجم السوق الإشهاري المخصص لوسائل الإعلام، إذ أن تحديد هذا الرأسمال يبقى تحديًا كبيرًا نظرًا لغياب بيانات دقيقة ومحدثة. واستشهد في هذا السياق بإحصائيات جمعية المعلنين المغاربة التي تعود لسنة 2018، والتي تفيد بأن حجم الاستثمارات الإعلانية الخام بلغ حوالي 5.68 مليارات درهم، بينما لم تستفد الصحافة الورقية والإلكترونية مجتمعة سوى من 1.18 مليار درهم فقط.

وأضاف المتحدث ذاته أن المشكل لا يقتصر فقط على ضُعف المخصصات، بل يتعداه إلى فوضى خطيرة في التوزيع، حيث يغيب منطق الشفافية وتُمنح الإعلانات لمَن لا يستحقها. وتساءل شحتان مستنكرًا: “كيف يعقل أن يحصل من يُسمي نفسه يوتيوبر – رأسماله السب والقذف ولا يُقدم أي جودة في الخدمة العمومية – على إشهارات غزيرة فقط لأنه يعرف كيف يبتز ويُسيء للمستثمرين؟ هؤلاء يسارعون إلى شراء صمته، ويغدقون عليه من ريع الإشهار”.

وأوضح شحتان أن وزارة الثقافة والاتصال سبق أن نبهت لهذا الخطر، كما دقّت الجمعية المغربية للإعلام والنشر ناقوس الخطر بسبب غياب معايير واضحة وعلنية لتوزيع الميزانيات الإشهارية. واعتبر أن جزءًا كبيرًا من الكعكة يذهب إلى جهات معلومة، ما يمنحها قوة اقتصادية لا تُوازيها قوة إعلامية مهنية، الأمر الذي يُضعف التنوع الإعلامي ويُهدد استقلالية المقاولات.

وأشار إلى أن الصحافة الحقيقية، خاصة صحافة القرب التي تتحمل التكاليف وتُشغّل الصحافيين وتدفع الضرائب وتُراعي أخلاقيات المهنة، تعاني الإقصاء والتهميش، في حين تُكافأ المنصات والمواقع الفارغة التي لا تقدم أي محتوى مهني أو تأثير مجتمعي.

واعتبر إدريس شحتان أن المعضلة الأكبر تكمن في غياب قانون واضح يؤطر العلاقة بين المعلنين ووسائل الإعلام، ما يفتح الباب للفوضى، ويُقصي المؤسسات الإعلامية الجهوية والرقمية رغم دورها المحوري في نقل قضايا المواطنين وهمومهم. وتابع قائلا: “العديد من المبادرات الصحافية ذات القيمة اختفت بسبب هذا التهميش، ولهذا نحتاج إلى إعادة تنظيم سوق الإشهار بشفافية ومعايير موضوعية عادلة”.

وشدد على أن هذا الملف يجب أن يُفتح بشكل استعجالي، خاصة في ظل دخول شركات كبرى دولية إلى السوق الوطني، وانتشار ما يُسمى بالمدونين الذين يستفيدون من الإشهار دون التزامات قانونية أو اجتماعية، ليُصبحوا في ظرف وجيز من أثرياء اليوتيوب ووسائط التواصل، رغم أنهم بلا مستوى ثقافي أو تكوين مهني، فقط لأنهم استفادوا من فوضى الإشهار وتسيّب العالم الرقمي.

وختم إدريس شحتان تصريحه بالتأكيد على ضرورة ألا يبقى سوق الإشهار متمركزًا في يد المقاولات التقليدية الكبرى، داعيًا إلى تخصيص جزء من الاستثمارات الإشهارية لدعم الصحافة الجهوية والمحلية، لأنها تُساهم فعليًا في تأمين التعددية الإعلامية وضمان الجودة المهنية. وقال: “نحن لا نطالب بالريع، بل بالاستحقاق. نريد سوقًا منظمًا، شفافًا، وعادلًا، يُنصف من يعمل بجد ويُعاقب من يقتات على التفاهة”.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close