سعيد الناصري بين شبهة “إسكوبار الصحراء” ومسرح المؤامرة: فيلا، فواتير، وفوضى في كواليس المحاكمة

في مشهد يكاد يخرج عن المألوف، عاد اسم سعيد الناصري ليتصدر واجهة الأحداث، ليس بصفته رئيسًا سابقًا لنادي الوداد البيضاوي، ولا كقيادي بارز في حزب الأصالة والمعاصرة، بل كمتهم في ملف شائك يتقاطع فيه المال، النفوذ، والعلاقات العابرة للحدود، بطلها المثير للجدل “إسكوبار الصحراء”.
الناصري، الذي مثل أمام غرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، لم يكن هذه المرة في موقع صاحب الكلمة، بل بدا مرتبكًا، سريع الكلام، وكأن لسانه يركض للحاق بزمن سُحب من تحت قدميه. المحكمة نبهته أكثر من مرة إلى ضرورة التريث في حديثه، لكن التوتر غلب على نبرته، لا سيما وأنه يشعر – بحسب أقواله – أنه ضحية مؤامرة مُحكمة لم يسمّ من يقف وراءها.
أحد محاور هذه القضية المعقدة يدور حول فيلا تقع بشارع مكة في حي كاليفورنيا الراقي، موضوع نزاع بينه وبين البرلماني السابق بلقاسم مير، وشخص ثالث هو المالي أحمد بن ابراهيم الملقب بـ”إسكوبار الصحراء”. الناصري يؤكد أن الفيلا اقتنيت سنة 2017 باسم شركة مدنية عقارية يديرها رفقة ابنه، وأن المبلغ المدفوع – مليار و650 مليون سنتيم – تم تسليمه للمالك السابق عبر دفعات وشيكات، مشددًا على أن عملية الاقتناء كانت قانونية وواضحة، بل إن الربط بعدادات الماء والكهرباء باسم شركته تم بموافقة كتابية من المالك ذاته.
إلا أن تفاصيل أخرى جعلت من هذا الملف سردية ملغومة: شهادة تسلمها الناصري من شركة الماء والكهرباء تثبت أن الربط لم يتم منذ 2014 إلى غاية 2017، إلا باسم بلقاسم، تقابلها اتهامات تتحدث عن تلاعبات وتزويرات طالت الوثائق المدلى بها، وهو ما دفع الناصري إلى المطالبة بفتح تحقيق في تزوير مستندات قال إنها “أُعدت لإسقاطه”.
أما العنصر الأكثر إثارة، فيكمن في ربط الناصري بشبكة “إسكوبار الصحراء”. ففيما كان هذا الأخير يوصف كصديق له، عاد الناصري ليرسم خطًا أحمر بين معرفته به وبين علاقته بأي أنشطة مشبوهة قد يكون متورطًا فيها. ومن سخرية القدر أن الشقة التي تعرّف فيها عليه في معاريف، اتضح لاحقًا أنها مملوكة لعبد النبي بعيوي، القيادي الآخر في الأصالة والمعاصرة، والذي يلاحقه شبح الفضيحة هو الآخر.
ولم تتوقف خيوط الملف عند حدود العقار أو العلاقات العابرة، بل امتدت إلى حياة فنية واجتماعية غريبة الأطوار، إذ سرد الناصري تفاصيل عن مهرجان التمور بزاكورة، تحت الرعاية الملكية، وكيفية تنسيق سهرة غنائية بحضور أسماء معروفة مثل لطيفة رأفت، عبر وساطة من “إسكوبار” ذاته. وقائع يراها البعض سطحية، لكنها في منطق القضاء قد تحمل بذور ترابطات خفية.
من جهته، نفى الناصري أي علاقة حميمية تربطه بإحدى المتهمات في الملف، دليلة، مؤكدًا أنها مجرد صديقة عائلية كانت تتكلف بتصميم ملابسه، موضحًا أن ما وصفه لدى الشرطة بـ”صداقة حميمية” لم يكن إلا تعبيرًا مجازيًا لا يحمل في طياته ما يوحي بفساد أو تجاوز.
ومع كل شهادة ووثيقة التي حسب قوله هي مجرد 10% مما يملكه من دلائل براءته، يبدو أن فصول هذا الملف تسير في متاهة يصعب فكّ شيفراتها بالبساطة التي يرغب فيها المتتبعون. سعيد الناصري يصرّ على براءته، ويرى في كل ما يحدث محاولة لإقحامه في ملف لا علاقة له به، بينما الحقائق القانونية في يد المحكمة وحدها، التي تحاول – بين شهادات متضاربة ووثائق مشكوك فيها – أن تنحت اليقين من ضباب الشك.
في النهاية، ما بين فيلا مشبوهة وشيكات مجزأة، وما بين صداقة مشكوك فيها وفواتير معلقة، يقف سعيد الناصري على حافة محاكمة قد تعيد رسم ملامح مسيرته، وربما حياته كلها. فهل نحن أمام قضية قانونية بحتة، أم مسرحية سياسية بوجوه متعددة؟ الزمن، لا غيره، سيكشف الستار،إلى موعد لاحق في الجلسة المقبلة التي ستمدنا بمزيد من التطورات الجمعة المقبلة.