سياسةعمود رأي

بين المبادرة التشريعية وموازين السلطة: قراءة في تجميد مقترحات قوانين المعارضة

بقلم: هشام البورقي

رغم ما ينص عليه الدستور المغربي من ضمانات واضحة لتعزيز الدور التشريعي لمؤسسة البرلمان، خاصة من خلال فتح المجال أمام النواب لتقديم مقترحات قوانين، فإن الواقع العملي يعكس حالة من التوتر المؤسساتي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، يتجلى أبرز تجلياته في تجميد قرابة 300 مقترح قانون تقدّمت بها فرق المعارضة منذ بداية الولاية التشريعية الحالية.

من الناحية القانونية، ينص الفصل 82 من الدستور بشكل واضح  على تخصيص يوم في كل شهر لدراسة مقترحات القوانين، وخصوصاً تلك التي تتقدم بها فرق المعارضة. هذا المقتضى يحمل في طياته هدفاً ديمقراطياً يتمثل في تمكين جميع مكونات البرلمان، بما فيها المعارضة، من الإسهام الفعلي في التشريع، كوظيفة أساسية للسلطة التشريعية، وليس كامتياز ظرفي أو رمزي.

غير أن التجميد العملي لهذه المقترحات يطرح إشكالاً مؤسساتياً حقيقياً. فمن جهة، ترى المعارضة أن الحكومة تُمارس نوعاً من “الفيتو الصامت” من خلال الإحجام عن إدراج هذه النصوص ضمن جداول أعمال اللجان أو الجلسات العامة، وهو ما يُفرغ مقتضيات الفصل 82 من مضمونه، ويمس بمبدأ الفصل المرن بين السلط، كما يؤثر على التوازن الضروري بين الأغلبية والمعارضة داخل النسق الديمقراطي.

ومن جهة أخرى، تردّ مكونات من الأغلبية البرلمانية بأن المعارضة، رغم امتلاكها للحق في التشريع، لم تتقدم بعد بمقترح قانون تنظيمي يُنظّم هذا الحق بشكل تفصيلي كما يقتضيه الفصل 69 من الدستور. هذا الطرح قد يُفهم على أنه دعوة لتجاوز منطق الاتهام السياسي نحو تأطير تشاركي لمنهجية التشريع، بما يعزّز فعالية العملية التشريعية ويرفع من مردودية المؤسسة البرلمانية ككل.

لكن الإشكال لا يقتصر فقط على الجانب الشكلي أو السياسي، بل يطال الفلسفة التشريعية برمتها. فالتراكم التشريعي، سواء عبر مشاريع أو مقترحات القوانين، يجب أن يخضع لاعتبارات النجاعة والجدوى ومدى توافق النصوص المقترحة مع السياسات العمومية المُعتمدة. من هذا المنطلق، يمكن للحكومة أن تُبدي تحفظاً على بعض المقترحات دون أن يعني ذلك مصادرة لحق المعارضة، شريطة أن يكون هذا التحفّظ معللاً ومُعلناً، لا أن يتم عبر صمت تشريعي يُفرغ المؤسسة من معناها.

إن تعزيز مصداقية البرلمان يقتضي من الحكومة أن تتعامل مع المبادرات التشريعية للمعارضة ليس كتهديد سياسي، بل كمساهمة دستورية في البناء الديمقراطي. كما أن من واجب المعارضة أن ترفع من جودة مقترحاتها، من حيث الصياغة والتأصيل القانوني والارتباط بالأولويات المجتمعية.

إننا أمام معادلة دقيقة: احترام مبدأ الأغلبية لا يعني تعطيل آليات المعارضة، واحترام دور المعارضة لا ينبغي أن يتحوّل إلى عرقلة لمؤسسات الدولة. المطلوب اليوم ليس فقط احترام النص الدستوري، بل تفعيل روحه في إطار من التوازن، التشارك، والاحترام المتبادل،و خصوصا العنصر الأهم ألا و هو الفعالية،سواء من خلال تقديم مقترحات فعالة من طرف المعارضة موازاة مع التعامل معها بجدية الأغلبية

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close