مجتمع

من الدعم المؤقت إلى منظومة دائمة: كيف يعيد المغرب رسم خارطة الحماية الاجتماعية؟

في إطار المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين، كشف رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، عن معالم بارزة في السياسات الاجتماعية التي تعتمدها حكومته، والتي تهدف إلى ترسيخ مقومات الإنصاف والحماية الاجتماعية في المغرب. تصريحات أخنوش لا تكتفي برصد الإنجازات، بل تبرز رؤية استراتيجية لتحويل الدعم الاجتماعي من إجراءات مؤقتة إلى منظومة متكاملة ومستدامة ترافق الأسر المغربية لعقود قادمة.
دعم التمدرس: استثمار في مستقبل الأجيال
أطلقت الحكومة دعماً استثنائياً إضافياً لموسم دراسي يستهدف حوالي 1.8 مليون أسرة وأكثر من 3.1 مليون طفل، وهو رقم يبرز حجم الجهود المبذولة لتخفيف الأعباء على الأسر وتعزيز فرص التمدرس. من اللافت أن ما يقرب من 61% من المستفيدين هم من الأطفال في العالم القروي، بينما تشكل الإناث نسبة 48%، مما يشير إلى اهتمام خاص بتعزيز التعليم للفتيات القرويات، اللواتي كثيراً ما تواجههن تحديات اجتماعية واقتصادية تجعل من الاستمرار في الدراسة أمراً صعباً.
هذا التوجه يعكس إدراك الحكومة لأهمية التعليم كرافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث أن الاستثمار في تعليم الفتاة يشكل عامل تمكين قوي ينعكس إيجابياً على الأسرة والمجتمع بأسره.
 الصحة الأسرية: حماية مستمرة للأم والطفل
في نفس السياق، يشير دعم الحكومة للأسر الجديدة عبر منح جزافية للولادات إلى أهمية تعزيز الصحة الأسرية كجزء من السياسات الاجتماعية. إن تخصيص دعم مالي للولادة الأولى والثانية يعكس التزاماً بالحفاظ على صحة الأم والطفل، وهو ما يعزز الاستثمار في مرحلة الطفولة المبكرة التي تعد الأهم في بناء القدرات الجسدية والعقلية للأجيال القادمة.
هذا التوجه يدعم أيضاً برامج الفحوصات الطبية والحمل الآمن، وهو ما يتطلب بنية تحتية صحية متطورة وإجراءات مكثفة لضمان وصول هذه الخدمات إلى جميع المناطق، خصوصاً القروية منها.
 الدعم للأرامل: مضاعفة الحماية الاجتماعية
شهدت فئة النساء الأرامل نقلة نوعية في مدى الاستفادة من الدعم الاجتماعي، حيث تضاعف عدد المستفيدات أكثر من ست مرات منذ نهاية 2021، ليصل إلى أكثر من 420 ألف أرملة. هذا التوسع في التغطية يعكس وعيًا أكبر باحتياجات هذه الفئة التي غالباً ما تواجه هشاشة اقتصادية واجتماعية، خاصة عند وجود أطفال يتامى تحت رعايتها.
رفع قيمة الدعم تدريجياً إلى 400 درهم لكل طفل متمدرس بحلول 2026 يؤكد اهتمام الحكومة بإيجاد حلول مستدامة لضمان استقرار هذه الأسر، ويشكل خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية.
 السكن الاجتماعي: تحقيق أرقام قياسية في الدعم
النجاحات في مجال دعم اقتناء السكن الرئيسي تجلت في استقبال أكثر من 142 ألف طلب وإنجاز 48 ألف عملية دعم فعلية، مع تخصيص غلاف مالي يقدر بـ3.8 مليار درهم. توزيع الدعم المالي بين 70 و100 ألف درهم حسب قيمة السكن يعكس سياسة متوازنة تستهدف مختلف شرائح المواطنين، خاصة الطبقة المتوسطة والفقيرة.
هذا الإنجاز يشكل استجابة ضرورية لتحديات السكن في المغرب، إذ يساهم في تقليص الفجوة السكنية ويحفز على تحسين ظروف المعيشة، وهو ما يعزز استقرار الأسر ويخلق بيئة ملائمة للنمو الاقتصادي والاجتماعي.
 الرؤية المستقبلية: من دعم مؤقت إلى منظومة اجتماعية دائمة
أبرز أخنوش في ختام كلمته أن مشروع الدولة الاجتماعية لا يقتصر على إجراءات مؤقتة، بل هو منظومة شاملة ومستمرة تواكب التحولات الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب. هذه الرؤية تضع الدعم المباشر كرافعة للارتقاء الاقتصادي والاجتماعي، متجاوزةً السياسات القطاعية المحدودة لتصبح شاملة لكل الفئات الهشة.
تظهر السياسات الاجتماعية الجديدة بالمغرب خطوة جريئة نحو بناء دولة اجتماعية حقيقية، تستثمر في الإنسان وتوفر له الحماية والإنصاف. ورغم التحديات الكبيرة التي تواجه تطبيق هذه السياسات، فإن التركيز على التعليم، الصحة، السكن، والحماية الاجتماعية يشكل قاعدة صلبة نحو مجتمع أكثر عدالة وشمولية. المستقبل يتطلب المزيد من التكامل بين البرامج وتوسيع نطاق الحماية لتشمل شرائح أوسع، مع ضمان الاستدامة المالية والإدارية لهذه المنظومة.
فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close