المنطقة العازلة تحت النيران.. هل دخلنا “زمن الدرون” في نزاع الصحراء ؟

في خضم التطورات المتسارعة التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، عادت المنطقة العازلة لتتصدر العناوين، وهذه المرة من بوابة الضربات الجوية الدقيقة التي لم تعلن عنها الرباط رسميا، لكنها باتت حديث الخاص والعام في الجنوب الشرقي من الجدار الدفاعي.
مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي السابق في جبهة “البوليساريو” والمنشق عنها، اختار أن يُدلي بشهادته مجدداً، ولكن من منصة العالم الأزرق. في منشورٍ على صفحته بفيسبوك، كشف أن منطقة “كارزرز” التابعة لقطاع “كلتة زمور” تحولت إلى ما يشبه “المنطقة الحمراء”، حيث تستهدف مسيّرات مغربية مركبات مشتبه بها داخل ما تُسميه الجبهة بـ”الأراضي المحررة”، دون أن يُعلَن عن ذلك رسميا من الجانب المغربي.
ويُتابع ولد سيدي مولود بأن “كارزرز”، التي كانت تشهد إقبالاً من باحثين عن الذهب السطحي من الموريتانيين والصحراويين على حد سواء، أصبحت اليوم مسرحاً لحرب غير معلنة، بعد أن صنفتها جبهة البوليساريو كمنطقة عسكرية مغلقة، وبدأت بمصادرة معدات المنقبين ومحاولة طردهم.
لكن الواقع تغيّر جذرياً، بحسب نفس المصدر، بعد قرار الجبهة الانسحاب من اتفاق وقف إطلاق النار في 2020. فمع عودة التوتر، صارت المنطقة هدفاً للمراقبة الجوية المغربية، فيما باتت التحركات داخلها محفوفة بالمخاطر، خاصة لقربها الشديد من الحزام الدفاعي المغربي، الذي يمكن مشاهدته بالعين المجردة من داخل الأراضي الموريتانية.
اللافت في هذا المشهد هو الاستراتيجية الاتصالية المتضادة: المغرب يلتزم الصمت الرسمي ويواصل عملياته بدقة وصرامة، بينما تُغرق جبهة البوليساريو الفضاء الإعلامي ببيانات شبه يومية تتحدث عن استهداف مواقع مغربية. هذا التباين يعكس تحولا تكتيكياً؛ فالمغرب يعتمد سياسة “الردع دون ضجيج”، مدعوماً بتفوق تكنولوجي ميداني، أبرز وجوهه الدرونات القتالية.
من جانب آخر، يرى متابعون أن المشهد يؤكد أن “المنطقة العازلة”، أو ما يُعرف بـ “المنطقة المحظورة CMZ”، تحولت فعلاً إلى ساحة اشتباك غير تقليدي، تُدار فيها المعارك عن بُعد، فيما تتوارى المعارك التقليدية لصالح الحرب التكنولوجية، حيث تتحكم الكاميرات الحرارية والذكاء الاصطناعي في مصير المركبات، وربما الأرواح.
المُعطى الجديد هو أن المغرب لم يعد يتعاطى مع الاستفزازات بالأسلوب ذاته الذي عرفته سنوات التسعينات. فقد أدخل إلى المعادلة طائرات بدون طيار يُرجّح أنها تركية الصنع (Bayraktar TB2) أو إسرائيلية (Hermes)، مخصّصة للاستهداف عالي الدقة. هذه الدرونات، التي تحلق بصمت فوق رمال “المنطقة العازلة”، باتت ترسم خطوطاً حمراء لا يُمكن تجاوزها دون حساب دقيق للعواقب.
نحن أمام حرب مُستترة لكن واقعية، تتجاوز الاشتباك المباشر نحو حرب استنزاف ذكية تُدار من الجو وتُضرب فيها الأهداف دون إعلان ولا ضجيج. أما الجبهة الانفصالية، فهي تلهث وراء “نصر إعلامي” يصرف الأنظار عن ما يجري في الواقع الميداني، حيث تترسّخ سيادة مغربية تُمارَس بأدوات القرن الواحد والعشرين.