مجتمع

تعلم اليوم،واعمل غذا:إصلاح جامعي بلغة المستقبل

صادق مجلس الحكومة، الخميس، على مشروع مرسوم جديد يندرج في إطار المساعي المتواصلة لإصلاح منظومة التعليم العالي بالمغرب، ويهدف إلى تعديل وتتميم المرسوم المؤطر لاختصاصات المؤسسات الجامعية وأسلاك التكوين والشهادات الوطنية المطابقة. هذه الخطوة، التي جاءت بمبادرة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، تفتح الباب أمام تحولات منهجية في نمط التكوين وطرق تسليم الشهادات، بما يواكب تطورات العصر ويعزز جاذبية الجامعة المغربية.

من بين أبرز مستجدات هذا المشروع، التنصيص على اعتماد التكوين الحضوري كقاعدة أساسية داخل المؤسسات ذات الولوج المحدود، مع فتح إمكانية اللجوء إلى التعلم عن بُعد أو التعلم بالتناوب. هذا التوجه يعكس وعياً متزايداً لدى الجهات الوصية بأهمية المرونة في أساليب التعليم، خصوصاً في ظل التغيرات التكنولوجية المتسارعة، والرهانات التي فرضتها تجربة التعليم عن بعد خلال جائحة كوفيد-19.

كما أن تعميم نظام الأرصدة القياسية (Crédits) على كافة أسلاك التكوين، بما في ذلك المؤسسات ذات الولوج المحدود، يندرج في إطار السعي نحو توحيد المقاربات البيداغوجية وتيسير قابلية التنقل الجامعي للطلبة، سواء داخل المغرب أو خارجه. هذا الإجراء، وإن بدا تقنياً، إلا أنه يحمل في طياته فلسفة تعليمية تقوم على تجزيء التعلم وتثمين المجهود الفردي وتطوير مسارات دراسية أكثر مرونة.

في السياق نفسه، يُعد ملحق الشهادة من أبرز عناصر هذا الإصلاح، إذ سيمكن من إبراز الكفاءات غير الأكاديمية للطالب، مثل المهارات اللغوية والرقمية، إضافة إلى الأنشطة الموازية. وهو توجه يُراهن على إعادة تعريف مفهوم الشهادة الجامعية، ليشمل جوانب شمولية في تكوين الطالب، وليس فقط ما راكمه من وحدات نظرية أو تطبيقية.

ومن الناحية التنظيمية، يسعى المشروع إلى توحيد نماذج الشهادات الوطنية وتسوية الفوارق القائمة بين مؤسسات الولوج المفتوح والمحدود. خطوة قد تساهم في تحسين صورة الجامعات المغربية، وتعزيز قابلية شهاداتها للاعتراف على المستوى الدولي، في أفق بناء نظام تعليم عالٍ متكامل ومنسجم.

غير أن نجاح هذه الإصلاحات، كما هو الحال دائماً، يظل رهيناً بتوفر الموارد اللازمة لتنفيذها، سواء على مستوى البنيات التحتية، أو تكوين الأطر، أو التحول الرقمي الحقيقي للمؤسسات الجامعية. كما أن إشراك الفاعلين التربويين والطلبة في تنزيل هذه الإجراءات سيُسهم في ضمان فعاليتها وملاءمتها لحاجيات الواقع الجامعي المغربي.

في المحصلة، يشكل مشروع هذا المرسوم خطوة في الاتجاه الصحيح نحو تحديث منظومة التعليم العالي، وتجاوز الفوارق البيداغوجية بين مكوناتها، مع تبنٍ تدريجي لنهج أكثر شمولية وتكاملاً. لكن طريق الإصلاح لا يزال طويلاً، ويتطلب تدرجاً ذكياً، وتنسيقاً محكماً، وتقييماً دورياً لضمان تحقق الأهداف المرجوة.

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close