مجتمع

50 كيلوغراما على الأكتاف… متى ترفع المعاناة عن عمال البناء في المغرب؟

في ظل النمو المتسارع الذي يشهده قطاع البناء في المغرب، والذي يشكل إحدى الدعائم الأساسية للاقتصاد الوطني، لا تزال ظروف عمل اليد العاملة البسيطة تثير العديد من التساؤلات، خاصة في ظل غياب حماية اجتماعية فعالة وتدابير تحافظ على سلامة هؤلاء العمال الذين يشكلون العمود الفقري للأوراش المنتشرة عبر مختلف ربوع المملكة.
ومن بين أبرز مظاهر هذا الخلل البنيوي، تبرز معاناة العمال اليومية مع أكياس الإسمنت التي يصل وزنها إلى 50 كيلوغرامًا، وهو ما يعتبر عبئًا كبيرًا على العامل البسيط الذي يضطر إلى نقلها يدويًا، في غياب تام لأي وسائل مساعدة أو معدات تقنية تخفف العبء البدني. وتفاقم هذه الوضعية الخطيرة غياب أي إلزام قانوني يجبر المقاولات على توفير أدوات الرفع والنقل في الأوراش.
في هذا الصدد، قد أعاد سؤال كتابي وجهه النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي، مولاي المهدي الفاطمي، إلى وزير الصناعة والتجارة، هذا الموضوع إلى واجهة النقاش السياسي والمهني، حيث سلط الضوء على المخاطر الصحية الجسيمة التي يتعرض لها عمال البناء جرّاء حمل هذه الأوزان الثقيلة يوميًا. وحذر الفاطمي من أن الاستمرار في هذا الوضع من شأنه أن يؤدي إلى إصابات مزمنة في الظهر والمفاصل، قد تفضي في كثير من الأحيان إلى العجز الكلي أو شبه الكلي عن العمل.
كما استغرب البرلماني المذكور استمرار العمل بنفس الوزن منذ عقود، دون مراعاة لأي تطور في مقاييس السلامة أو التحولات التي طرأت على أنماط العمل في قطاعات أخرى مشابهة، اعتمدت تدريجيًا مقاربات أكثر إنسانية تراعي الجوانب الصحية والنفسية للعامل.
ورغم أن تقليص وزن كيس الإسمنت إلى 25 كيلوغرامًا ــ كما هو معمول به في عدد من الدول ــ لا يمثل من الناحية التقنية تحديًا كبيرًا، إلا أن هذا الإجراء لا يزال غائبًا عن أجندة الإصلاحات التنظيمية في المغرب، وهو ما يعزى وفق بعض المتتبعين إلى اعتبارات اقتصادية محضة، في مقدمتها التخوف من ارتفاع التكاليف اللوجستيكية والإنتاجية، إضافة إلى ممانعة بعض الفاعلين في القطاع لأي تعديل قد يغير من وتيرة العمل التقليدية.
لكن مراقبين يؤكدون أن صحة الإنسان وكرامته ينبغي أن تكون أولوية تتقدم على كل الحسابات المادية. فالمعايير الحديثة للعمل تحتم اعتماد مقاربة وقائية توازن بين النجاعة الاقتصادية ومتطلبات السلامة المهنية، خصوصًا في قطاعات شاقة كالبناء.
وفي ذات السياق، تساءل البرلماني عن غياب الحد الأدنى من التجهيزات داخل الأوراش، معتبرًا أن الاكتفاء بالقوة البدنية للعامل في رفع ونقل الأكياس يكرس نمطًا بدائيًا في العمل، لا ينسجم مع الرؤية الوطنية الرامية إلى تحديث الاقتصاد وضمان بيئة عمل لائقة.
ويرتقب أن تدفع هذه المطالب الحكومة، وتحديدًا وزارة الصناعة والتجارة، إلى مراجعة المعايير المرتبطة بوزن أكياس الإسمنت، بالتوازي مع إدراج إصلاحات تنظيمية تلزم المقاولات باعتماد معدات الرفع الحديثة، بما يخفف العبء عن العمال ويحفظ سلامتهم الجسدية والنفسية.
كما يأمل مهنيو القطاع أن تواكب هذه الإجراءات بتعديلات تشريعية تكرس مبدأ “العمل الكريم”، ليس فقط من زاوية الأجور، بل عبر توفير بيئة عمل آمنة تحترم كرامة العامل وتراعي حقوقه الأساسية.
في انتظار ذلك، يظل العامل المغربي في قطاع البناء رهينًا لظروف قاسية تتطلب تدخلاً عاجلًا، يحقق التوازن المطلوب بين التنمية الاقتصادية ومقومات العدالة الاجتماعية.
فاطمة الزهراء الجلاد.

إعلان

قد يعجبك ايضا

Back to top button
Close
Close