
في خضم التوترات المتصاعدة بين مدريد وواشنطن، يبرز المغرب كفاعل إقليمي صاعد يسعى لتعزيز موقعه كشريك استراتيجي بديل للولايات المتحدة في شمال إفريقيا ومنطقة غرب المتوسط. ويأتي هذا التحول في وقت حساس تشهد فيه العلاقات بين الحكومة الإسبانية بقيادة بيدرو سانشيز والإدارة الأمريكية توتراً متزايداً، خصوصاً في ظل الخلافات حول الالتزامات الدفاعية داخل حلف شمال الأطلسي (الناتو).
إسبانيا تفقد الأرض.. والمغرب يقتنص اللحظة
الحكومة الإسبانية، المتعثرة في نزاعاتها السياسية الداخلية، ترفض بشكل واضح رفع الإنفاق الدفاعي إلى نسبة 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي، كما تطالب بها واشنطن. هذا الرفض قوبل بردود فعل حادة من إدارة ترامب، التي ألمحت إلى إمكانية فرض عقوبات تجارية شاملة على إسبانيا، وهو ما اعتبره دبلوماسيون إسبان “فرصة تاريخية” للمغرب لتعزيز مكانته كشريك مفضل للولايات المتحدة في المنطقة.
في المقابل، تتحرك الرباط بدينامية واضحة لتعزيز تحالفها مع واشنطن، معتمدة على سجل مستقر في التعاون الأمني والاقتصادي والدبلوماسي، فضلاً عن دورها البارز في ملفات إقليمية ودولية حساسة، منها تطبيع العلاقات مع إسرائيل في إطار اتفاقات أبراهام.
تعاون عسكري متنامٍ وثقة أمريكية متزايدة
شهدت العلاقات العسكرية بين المغرب والولايات المتحدة تطوراً لافتاً خلال السنوات الأخيرة. فبين عامي 2018 و2023، عقدت الرباط صفقات تسليح مع واشنطن بقيمة تفوق 13 مليار دولار، شملت طائرات مقاتلة، دبابات، ومنظومات صاروخية متطورة، مما يجعل المغرب من بين أكثر الدول اعتماداً على التكنولوجيا الدفاعية الأمريكية في إفريقيا.
وتعتبر مناورات “African Lion”، التي تنظم سنوياً على الأراضي المغربية بمشاركة آلاف الجنود الأمريكيين، رمزاً لهذه الشراكة الدفاعية المتينة، حيث تشكل منصة لتعزيز الجاهزية القتالية المشتركة، وتثبيت صورة المغرب كحليف موثوق في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية، خصوصاً في منطقة الساحل والصحراء.
بديل اقتصادي واعد في مواجهة التوترات
التوتر التجاري بين واشنطن ومدريد، خاصة في ظل تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية على الصادرات الإسبانية، فتح المجال أمام المغرب ليقدم نفسه كخيار اقتصادي مستقر وموثوق. وتبرز الصناعات المغربية، لا سيما في مجالات الزراعة، النسيج، والصناعات التحويلية، كمنافس قوي للمنتجات الإسبانية في الأسواق الأمريكية.
ويعزز هذا التحول موقع المغرب، الذي يستفيد من اتفاقية التبادل الحر مع الولايات المتحدة، على عكس إسبانيا المقيدة بالقواعد التجارية للاتحاد الأوروبي، ما يمنح الرباط امتيازات استراتيجية في سلاسل التوريد الأمريكية.
رهانات استراتيجية وثقة أمريكية ثابتة
على المستوى الجيوسياسي، يواصل المغرب لعب دور محوري في ملفات الأمن الإقليمي، مكافحة الإرهاب، وضبط الحدود. ويقدّم نفسه على الساحة الدولية كقوة هادئة، مستقرة، وبراغماتية، قادرة على التوفيق بين مصالحها الوطنية وشراكاتها الاستراتيجية، لا سيما مع الولايات المتحدة.
ولا يمكن إغفال موقف واشنطن الداعم لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وهو موقف أعلنه الرئيس السابق دونالد ترامب في أواخر ولايته واستمر في ظل إدارة جو بايدن، ما يعكس استمرارية الثقة الأمريكية في القيادة المغربية.
بينما تتراجع مدريد بسبب خلافاتها الداخلية وتوترها مع واشنطن، يواصل المغرب بناء تحالفاته برؤية استراتيجية طويلة الأمد. ومع تغير موازين القوى الإقليمية، تلوح في الأفق شراكة مغربية أمريكية أكثر عمقاً، تكرس الرباط كحليف رئيسي للولايات المتحدة في منطقة تعج بالتحديات والفرص على حد سواء.
فاطمة الزهراء الجلاد.