
في عملية أمنية نوعية تؤكد من جديد فعالية المقاربة الاستباقية التي تنتهجها الأجهزة المغربية في مكافحة الإرهاب، أعلن المكتب المركزي للأبحاث القضائية، يوم الجمعة 27 يونيو 2025، عن توقيف شابة تبلغ من العمر 21 سنة بمدينة الرباط، للاشتباه في موالاتها لتنظيم “داعش” الإرهابي، وتورطها في التحضير لتنفيذ مخطط تخريبي خطير يستهدف زعزعة النظام العام.
وجاءت هذه العملية بناءً على معلومات استخباراتية دقيقة وفرتها المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وفي إطار تنسيق وثيق مع الأجهزة الأمنية الفرنسية، ما يعكس المستوى العالي للتعاون الأمني بين البلدين في مواجهة التهديدات العابرة للحدود.
ووفق المعطيات الأولية التي كشف عنها بلاغ المكتب المركزي، فإن المشتبه فيها، وهي طالبة بإحدى المعاهد التقنية العليا، كانت قد انخرطت فعليًا في مراحل متقدمة من التخطيط لعملية إرهابية، من خلال اكتساب خبرات في تصنيع المتفجرات والمواد السامة، وتوفير معدات مخصصة لهذا الغرض، مع تحديد منشأة دينية بالرباط كهدف محتمل لتنفيذ هجوم وشيك.
أبعاد مقلقة وتحديات أمنية متجددة
وفي قراءة تحليلية لهذا الحدث الأمني البارز، أكد رئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية، محمد الطيار، أن توقيف هذه الشابة يطرح تساؤلات مقلقة حول مدى تغلغل الفكر المتطرف داخل بعض الأوساط الشبابية، لا سيما في الأوساط الجامعية والتقنية. وأشار إلى أن صغر سن الموقوفة وتكوينها في مجال تقني حساس يشكلان عنصرين مقلقين يزيدان من تعقيد التهديد الإرهابي.
وأضاف الخبير الأمني أن التحقيقات الجارية تهدف إلى كشف هوية الجهة أو الأطراف التي قامت بتجنيدها، مرجحًا أن تكون جزءًا من شبكة تستهدف الفئات الهشة من الشباب باستخدام أدوات رقمية وتقنيات نفسية متطورة.
وشدد المتحدث ذاته على أن استغلال التنظيمات المتطرفة لفتيات شابات في مقتبل العمر لتنفيذ مخططات إرهابية لم يعد أمرا معزولًا، مذكرًا بأن هذه الظاهرة لها سوابق مقلقة، أبرزها ما حدث خلال تفجيرات الدار البيضاء سنة 2003، حين تورط عدد من الشباب الذين تم التغرير بهم بأفكار متطرفة.
الرباط تحت المجهر…واستهداف الرموز الدينية
الخطورة الأكبر، حسب المحللين، تكمن في اختيار العاصمة الرباط، بما تحمله من رمزية سياسية ودينية، كساحة محتملة لتنفيذ هذا الهجوم. واعتبر الخبير الأمني أن هذا الاختيار يعكس جرأة منفذي المخطط، وسعيهم لإحداث صدمة مجتمعية وسياسية من خلال استهداف منشآت دينية داخل مركز القرار المغربي.
وقد أسفرت عملية التفتيش التي باشرتها الفرق الأمنية في منزل المشتبه فيها عن حجز مواد قابلة للاشتعال، ومخطوطات تحرض على العنف، وكتب تروج للفكر المتطرف، ما يؤكد الطابع المتشدد لخلفيتها الإيديولوجية.
أمن استباقي ويقظة متواصلة
وتابع بلاغ المكتب المركزي أن المشتبه فيها وضعت تحت تدبير الحراسة النظرية رهن إشارة البحث القضائي بإشراف النيابة العامة المختصة بقضايا الإرهاب، من أجل تعميق التحقيقات وتحديد كافة أبعاد هذا المشروع الإرهابي، بمن فيهم من قد يكونوا ساهموا في تجنيدها أو دعمها لوجستيًا.
وختم الخبير الأمني بالتأكيد على أن هذه العملية تمثل نموذجًا صارخًا لنجاعة المقاربة الاستباقية المغربية، لكنها في الوقت ذاته تدق ناقوس الخطر بشأن استمرار الجماعات المتطرفة في استهداف فئة الشباب، ما يستدعي تعزيز البعد الوقائي والتربوي في مواجهة هذا التحدي، إلى جانب تطوير القدرات الاستخباراتية والأمنية.
وفي ظل هذا المستجد، تبرز الحاجة إلى مقاربة شاملة ومتكاملة تشمل إلى جانب العمل الأمني، تربية مضادة للفكر المتطرف، وبرامج لحماية الشباب من حملات التغرير والاختراق الإيديولوجي، في معركة طويلة الأمد من أجل تحصين الأمن القومي وصيانة الاستقرار المجتمعي.
فاطمة الزهراء الجلاد.